[اتفاق الأنبياء على الإيمان بالآخرة وموقف الفلاسفة من الأنبياء والبعث]
قال رحمه الله تعالى:[وذلك أن الأنبياء عليهم السلام كلهم متفقون على الإيمان بالآخرة، فإن الإقرار بالرب عام في بني آدم، وهو فطري، كلهم يقر بالرب إلا من عاند كفرعون، بخلاف الإيمان باليوم الآخر، فإن منكريه كثيرون، ومحمد صلى الله عليه وسلم لما كان خاتم الأنبياء، وكان قد بعث هو والساعة كهاتين، وكان هو الحاشر المقفي؛ بيّن تفصيل الآخرة بياناً لا يوجد في شيء من كتب الأنبياء؛ ولهذا ظن طائفة من المتفلسفة ونحوهم أنه لم يفصح بمعاد الأبدان إلا محمد صلى الله عليه وسلم، وجعلوا هذه حجة لهم في أنه من باب التخييل والخطاب الجمهوري].
يقصد بالخطاب الجمهوري أن نظرة الفلاسفة للأنبياء نظرة خاصة؛ لأن الفلاسفة ليسوا من أتباع الأنبياء، فقد اتفق المحققون من أئمة السلف وغيرهم أن الفلسفة لم تأت إلا بمخالفة ما جاء به الأنبياء، الفلسفة بمعناها الاصطلاحي عند السلف، لا أقصد الفلسفة في العصر الحديث؛ لأن الناس توسعوا في مفهوم الفلسفة في هذا العصر، لكن الفلاسفة بمفهوم العلماء في القرون الأولى إلى وقت قريب هم من لم يؤمن بالنبوات، أو إيمانهم بالنبوات منحرف، فلا يمكن أن يكون فيلسوفاً ومؤمناً بالنبيين على وجه الحقيقة، قد يكون هناك إيمان إجمالي؛ فلذلك مبدأ الفلاسفة يقوم على اعتبار أن الأنبياء ما هم إلا أناس عباقرة، عندهم قدرات ومواهب عالية جبارة، استطاعوا أن يصنعوا للناس أشياء وتعاليم يقودون بها الأمم، وبمواهبهم العالية استطاعوا أن يجذبوا إليهم العوام، فخاطبوا الجمهور بخطاب عقلي نابع عن عبقرية ومواهب عالية.
وبعض الفلاسفة قد يفسر بعض أمور النبوة بشيء من التفسيرات الغيبية الوهمية لا الصحيحة، فيقول: نظراً للعقلية الجبارة والمواهب الجبارة عند النبي فقد تتصل به قوة خارجية وأرواح خارجية فتفيض عليه من فتوحاتها، فيقول بأقوال هي أشبه بالهستيريا.
هذه هي مذاهب الفلاسفة إلى يومنا هذا، وكل من أعرفهم من الفلاسفة الإسلاميين هذا كلامهم في النبوات، فالفلاسفة يقدرون الأنبياء ويحترمونهم، لكن على أنهم أناس عباقرة، لا أن الله أوحى إليهم، وإن فسروا الوحي فسروه بنحو خرافي.
إذاً معنى قولهم: إن خطاب الأنبياء خطاب جمهوري، أي: أن الأنبياء بعبقريتهم ومواهبهم العالية خاطبوا الجمهور بخطاب عقلي، فصار لهم أتباع، وصارت لهم ديانات صنعوها من عند أنفسهم، ولذلك كان أمثال العقاد يقول: ما النبوة قبل إبراهيم إلا نمط من الكهانة، وأن الأنبياء قبل إبراهيم ما هم إلا مجموعة من الكهان الذين يحترفون حرفة الكهانة أمام الأمم.
وكان العقاد يفسر النبوة تفسيراً خرافياً على نحو ما يقول الغرب.