للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قول الخوارج والمعتزلة والمرجئة]

أولاً: الخوارج، فالخوارج يرون أن مرتكب الكبيرة في الدنيا كافر، أي: يحكمون عليه بأحكام الكفر في الغالب، وإن كان بعضهم قد يسميه كافراً ومع ذلك لا يحكم عليه بجميع أحكام الكفر، ففرقهم تختلف في هذا اختلافاً كثيراً، وإذا مات على كبيرته فإنهم يرون أنه مخلد في النار مطلقاً.

ثانياً: المعتزلة، وقد وافقوا الخوارج في بعض أقوالهم وخالفوهم في بعضها، فأما في الدنيا فقد نفت المعتزلة عن مرتكب الكبيرة الإيمان ونفت عنه الكفر، وبعضهم يسميه فاسقاً، وبعضهم يقول: هو في منزلة بين المنزلتين، فمنزلة بين المنزلتين اصطلاح جديد لم يرد به الشرع، يريدون به أنه ليس بمؤمن ولا بكافر.

أما في الآخرة؛ فإن مرتكب الكبيرة عندهم -كما هو حاله عند الخوارج- من أهل النار المخلدين فيها، ولا يدخل تحت مشيئة الله عز وجل ولا تشمله الشفاعة، لكن بعضهم يقول بأن له ناراً غير نار الكافرين، أي أنها أخف من نار الكافرين، وهذه أيضاً مقولة عجيبة ليس لها مستند.

ثالثاً المرجئة، وأقوال المرجئة أيضاً تتفاوت، فالمرجئة الغلاة يرون أن مرتكب الكبيرة ما دام مؤمناً بالله عز وجل فهو مؤمن في الدنيا والآخرة، ولا يضره أي ذنب يفعله ما دام مؤمناً، وهو في الآخرة مضمونة له الجنة، حتى وإن ارتكب من الكبائر ما ارتكب.

أما مرجئة الفقهاء فيقولون بأن مرتكب الكبيرة في الدنيا عاص، وقولهم شبيه بقول أهل السنة والجماعة عموماً، وإن كان المتأخرون منهم تساهلوا في مسألة الحكم على مرتكب الكبيرة، خاصة فيما يتعلق بالتعامل معه، وأما الأوائل فإن رأيهم في مرتكب الكبيرة في الدنيا قريب من رأي أهل السنة والجماعة، وإن كان عندهم نوع تساهل، ومن ذلك أن بعضهم يدخل بعض الأمور المكفرة المخرجة من الملة في مسمى الكبائر، فلا يرون أن مرتكبها يخرج بها من الملة مادامت عملية، وهذا من أهم الفوارق في حكم مرتكب الكبيرة في الدنيا بين أهل السنة والمرجئة عند التفصيل، فهم عند الإجمال يقولون بقول أهل السنة والجماعة، لكن عند التفصيل فإن الكبائر المكفرة عندهم ما دامت عملية لا تخرج من الملة، ويبقى صاحبها مؤمناً، ويكون حكمه حكم المؤمنين في الدنيا والآخرة، وهذا فيه نظر؛ فإن الكبائر المخرجة -كالشركيات والبدع المغلظة- يخرج بها المؤمن من مسمى الإيمان إلى الردة والكفر، أما في الآخرة فإن مرجئة الفقهاء يقولون بقول أهل السنة والجماعة في الجملة.

قال رحمه الله تعالى: [فقوله: (وأهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في النار لا يخلدون إذا ماتوا وهم موحدون) رد لقول الخوارج والمعتزلة القائلين بتخليد أهل الكبائر في النار، لكن الخوارج تقول بتكفيرهم، والمعتزلة بخروجهم من الإيمان، لا بدخولهم في الكفر، بل لهم منزلة بين منزلتين، كما تقدم عند الكلام على قول الشيخ رحمه الله: (ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله).

وقوله: (وأهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم) تخصيصه أمة محمد يفهم منه أن أهل الكبائر من أمة غير محمد صلى الله عليه وسلم قبل نسخ تلك الشرائع به حكمهم مخالف لأهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وفي ذاك نظر؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه: (يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان) ولم يخص أمته بذلك، بل ذكر الإيمان مطلقاً، فتأمله، وليس في بعض النسخ ذكر الأمة.

وقوله: (في النار) معمول لقوله: (لا يخلدون)، وإنما قدمه لأجل السجعة، لا أن يكون (في النار) خبراً لقوله: (وأهل الكبائر)، كما ظنه بعض الشارحين].