للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خطر التساهل في الدعوة إلى التوحيد]

ولعلي بهذه المناسبة أشير إلى بعض الأخطاء التي وقع فيها كثير من الجماعات الإسلامية المعاصرة، ومن أخطر هذه الأخطاء التساهل في الدعوة إلى التوحيد، والتساهل في النهي عن الشرك والبدع، حتى صار هذا التساهل أصلاً من أصول بعض الدعوات، وهذا خطر عظيم، بل هو بوادر انحراف، وسببه قلة الفقه في الدين عند هؤلاء الدعاة، وسببه -أيضاً- اللبس عندهم فيما ينبغي أن يبدأ به وما هو أجل شأناً في الدعوة إلى الله وما هو دون ذلك.

وكثير من الدعوات المعاصرة تأخذ الواجبات في الدعوة بالعكس، فأخذت ما هو أدنى درجة مما ينبغي أن تعنى به الدعوات وجعلته هو الأول، وجعلت الهدف الأول هو الهدف الأدنى، حتى قالوا: لا ندعو إلى التوحيد وإلى نبذ الشرك، حتى نؤلف قلوب الناس ونجمعهم على الشعارات السياسية وعلى أمور أخرى.

وهذا خطأ وخطر عظيم، بل هو انحراف في مفهوم الدعوة وفي غاياتها وفي مناهجها، فينبغي أن يسدى لمثل هؤلاء النصح؛ فإن أي دعوة لا ترتكز على الدعوة إلى التوحيد فإنها إما فاشلة أو ضالة، وأي دعوة لا يكون أهم أهدافها وأول أهدافها الدعوة إلى التوحيد فإن مصيرها إلى الفشل أو الضلال، ودعوى أن المسلمين ليس فيهم شرك وانحرافات وبدع دعوى ساذجة أو مغرضة، فإما أنها دعوى تدل على عدم الفقه في الدين وعدم التمييز بين الشرك والتوحيد وعدم التمييز بين البدعة والسنة وهو الغالب، وإما أنها مغرضة، وهذا قليل، فدعوى أن المسلمين ليسوا بحاجة إلى أن تصحح عقائدهم ولا أن ينهوا عن البدع التي هم فيها، وأن هذا يؤجل إلى حين فيها خطورة عظيمة، بل هي انحراف في مسالك الدعوة، وقد يقول قائل: إن دعوة الناس إلى التوحيد وترك الأمور الأخرى تعني أن الداعي سيهمل أمور المسلمين والمشكلات الكبرى التي يعانون منها، وأقول: العكس هو الصحيح؛ فإنه ينبغي للمسلم أن يدعو وأن يهتم بكل أمور المسلمين، لكن أول ما يهتم به ويدعو إليه هو ما يتعلق بتوحيد الله تعالى ونبذ الشرك ونبذ المبتدعات، وبعد ذلك يهتم بالأمور الأخرى، ويهتم بالأصول حتى بترتيبها، يهتم بأصول الإيمان وأركان الإسلام، وإقامة الصلاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسائر شعائر الإسلام الظاهرة، كما يهتم في نفس الوقت بأصول الأخلاق، ويهتم بقضايا المسلمين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والإعلامية، وهذا كله حق، لكن لن تصلح أحوال المسلمين ولن تستطيع الدعوات المعاصرة أن تصحح أمور المسلمين على نهج قويم إلا إذا جعلت أول أهدافها عملياً ونظرياً الدعوة إلى توحيد الله ونبذ الشرك والبدع، وما لم تفعل ذلك فإنها محكوم عليها إما بالفشل وإما بالانحراف، وأنا أظن أن من أعظم أسباب فشل كثير من الدعوات التي قامت منذ عشرات السنين وتخبطها في تيه التجارب الفاشلة أنها تساهلت في التوحيد وجعلته بدرجة أدنى، وإن ادعت نظرياً أنها تدعو إلى التوحيد، لكنها عملياً لا تتساهل فيه فقط، بل إنها تلمز الدعاة إلى التوحيد، تلمزهم وتجعل من أخطائهم ومما تنتقدهم به أنهم يدعون إلى توحيد الله وينبذون القبوريات والشركيات.

وبناءً على هذا نعرف أن القاعدة القطعية عند سلف الأمة وعند أئمة الهدى إلى يومنا هذا وإلى أن تقوم الساعة أن أول ما ينبغي أن تعنى به كل دعوة شاملة في المسلمين هو توحيد الله تعالى ونبذ الشرك والبدع، ثم بعد ذلك تهتم بالأولويات بحسب درجتها في الشرف، ولتساهل بعض هذه الدعوات في التوحيد نجدها تتساهل حتى في أركان الإسلام وحتى في أصول الإسلام الأخرى كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسبب هذا التساهل هو الإخلال بالأصل الأول.

ثم إنا نعلم قطعاً أنه إذا صحت عقائد المسلمين بتوحيد الله تعالى، وإذا تخلصوا من البدع والشركيات صلحت أحوالهم الأخلاقية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والإعلامية، وهذا لا شك فيه ولا ريب، فإذا صلحت أحوال المسلمين وصلحت قلوبهم وعباداتهم واستقامت على التوحيد الخالص ونبذ الشركيات والبدع والقبورية وغيرها، فإنه لا بد بالضرورة أن تصلح أحوالهم الأخرى، والله يهيئ لهم من أمرهم رشدا، وهذا أمر قطعي يجب أن يعلمه كل طالب علم وأن يفقه غيره فيه.