للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الموقف من الإفراط والتفريط في التكفير]

السؤال

ذكرت أن الشرك سيقع في هذه الأمة، وأنه يجب ألا يكون العطف والشفقة سبباً في عدم وصف من اتصف بصفات شركية بما هو عليه، لكن المرء يحار حين يرى الناس بين مُفرِّط في التكفير ومُفرِّط فيه، فما هو الحل لهذه المشكلة؟

الجواب

هذا أمر واقع فعلاً، وهذه المسألة الآن واقعة بين الناس، وقليل منهم من يتوسط، وأكثرهم ما بين مغال في الاتهامات والتكفيرات حتى باللوازم وبما لا يكفر أو بمجرد الظواهر والحكم على القلوب، وآخر لا يرى التكفير حتى للكافرين، وهذه مسألة لابد من التوسط فيها، والتوسط هو من منهج السلف، فمنهج السلف أمامنا في الكتب، وفي عمل أئمة ومشايخ أهل السنة الموجودين بحمد الله، وهم الذين يرجع لهم في هذه الأمور، وأرى أن من أمثل ما تقوم به الحجة على الناس من أساليب علمائنا المعاصرين أسلوب الشيخ: عبد العزيز بن باز حفظه الله، فهو بحق يأخذ بمنهج أهل السنة والجماعة، وهو جدير بذلك، وأراه القدوة الذي ينبغي أن يوجه الشباب إلى مثل منهجه، ولذلك نجد تلك الطوائف قد تقول في أقوال الشيخ أشياء ولا تتورع.

فالمنهج الوسط -بحمد الله- بين بأقوال مشايخنا وبين بمنهج السلف، لكن يبقى كيف نعالج هذه الظواهر، هذا هو السؤال الذي طرح، وفي رأيي أن المعالجة تكون بأمور: أولها: أن نسعى لارتباط الشباب بالعلم الشرعي الأصيل المتعلق بعلاج هذه الأمور المتمثل في كتب العقيدة وأقوال السلف، ونعالج من خلاله هذه الظواهر معالجة عقدية.

الأمر الثاني: لابد من بيان هذا في قواعد واضحة وبالأمثلة الواضحة، ومن خلال المحاضرات والدروس والندوات، فينبغي لهذه الطائفة من طلاب العلم والمشايخ أن يعالجوا هذه المشكلة: مشكلة التكفير، ومشكلة التساهل إلى حد الإرجاء.

والأمر الثالث: أنه لابد من تأليف كتب إضافة إلى نشر المحاضرات في هذا الموضوع بشتى الوسائل، فلابد من تأليف كتب ورسائل صغيرة تعالج هذه القضايا بدقة وبوضوح وبالأمثلة، وإلا فالمسألة بدأت تستفحل، ومما يؤلم أن ظاهرة التكفير أكثر من تصدر عنهم أناس ينتسبون للسلفية، ووجه الفتنة بهم أن عقائدهم سليمة من حيث الجملة، لكن سلوكهم وأعمالهم غير سليمة، فوقعت الفتنة في الشباب، حيث أخذوا بسلامة اعتقادهم وجعلوه مبرراً لسلامة المنهج، حتى وقع كثير من الشباب في تلك المشكلة وجاءوا يسألوننا عن هذه المسائل، فوقع كثير منهم في اضطراب وحيرة، حيث كانوا يعرفون فلاناً من الذين يعنون بعقيدة السلف، وكان مرجعاً في عقيدة أهل السنة والجماعة، فلما وقعت الفتن ولغ في أعراض الناس، ووقع في التكفير، وأحرج الأمة بأحكام ملزمة، وتكلم في طلاب العلم والمشايخ، وتجرأ على الدعاة وألزم بما لم يلزم، ونبز بالألقاب، ووقع في الأسلوب الذي كان يحذر منه، نسأل الله العافية.

ونحن لا نشمت، لكن هذا أمر واقع، ومصدر الفتنة -كما قلت- أن أكثر أحكام التشدد والتكفير والنبز بالألقاب واتهام الدعاة واتهام النيات والصلف -وهذا أمر مؤلم، ولكن أقول ما عندي، وأرجو أن أكون مخطئاً- مصدرها من يعرفون بسلامة العقيدة، وهذه مصيبة، والعكس كذلك، فهناك طائفة كثيرة في المثقفين بالثقافة الأفقية التي هي ثقافة أكثر شباب المسلمين اليوم، الثقافة التي لم تؤخذ عن أصل الشرع، لا يريدون أن يكفروا من المسلمين أحداً، فكل المسلمين عندهم داخلون تحت إطار الإسلام العام، ويتجاهلون أخبار النبي صلى الله عليه وسلم، ويتجاهلون الواقع، وكأن إشفاقهم هذا صار إشفاقاً على الناس أكثر من أن يكون إشفاقاً على الإسلام.

وهذا يتزعمه الآن مفكرون كبار، ويؤلفون كتباً تتجه للإرجاء، حتى إنهم يتكلمون في رد حديث الافتراق خشية أن يقع في الأمة المفترقة افتراق.