للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العلاقة بين النفس والروح]

قال رحمه الله تعالى: [وأما اختلاف الناس في مسمى النفس والروح: هل هما متغايران، أو مسماهما واحد؟ فالتحقيق: أن النفس تطلق على أمور، وكذلك الروح، فيتحد مدلولهما تارة، ويختلف تارة.

فالنفس تطلق على الروح، ولكن غالب ما تسمى نفسا إذا كانت متصلة بالبدن، وأما إذا أخذت مجردة فتسمية الروح أغلب عليها.

وتطلق على الدم، ففي الحديث: (ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه).

والنفس: العين، يقال: أصابت فلانا نفس، أي: عين.

والنفس: الذات، كقوله تعالى: {فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ} [النور:٦١]، وقوله: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} [النساء:٢٩]، ونحو ذلك].

الذات يقصد بها البدن والروح معاً، وأحياناً يقصد بها البدن وحده، فالإنسان والحيوان يسمى بدنه نفساً، وأحياناً تطلق النفس على البدن والروح معاً.

قال رحمه الله تعالى: [وأما الروح فلا تطلق على البدن لا بانفراده ولا مع النفس، وتطلق الروح على القرآن، وعلى جبرائيل، {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} [الشورى:٥٢]، {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ} [الشعراء:١٩٣]، وتطلق الروح على الهواء المتردد في بدن الإنسان أيضا.

وأما ما يؤيد الله به أولياءه فهو روح أخرى، كما قال تعالى: {أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة:٢٢].

وكذلك القوى التي في البدن، فإنها تسمى أرواحاً، فيقال: الروح الباصر، والروح السامع، والروح الشام.

وتطلق الروح على أخص من هذا كله، وهو: قوة المعرفة بالله والإنابة إليه ومحبته وانبعاث الهمة إلى طلبه وإرادته، ونسبة هذه الروح إلى الروح كنسبة الروح إلى البدن، فللعلم روح، وللإحسان روح، وللمحبة روح، وللتوكل روح، وللصدق روح].

لذلك يعبر الناس عن الأمور الإيمانية اليقينية وعن الأحوال العبادية بالروحانية، ويعبرون عن خلافها -أي: عن الشهوات والبعد عن العبادة- بالمادية.

وهذا الإطلاق يوافق هذا المفهوم نوعاً ما، وإن كان كثير من المنحرفين من غلاة المتصوفة وغيرهم بالغوا في هذه المسألة حتى جعلوا لها معاني غير شرعية، ومعاني بدعية، ومع ذلك فالإطلاق في أصله ناتج عن مفاهيم الناس نحو الروح.

فهناك من المفاهيم التي تطلق ما يقصد بالروح فيها الروحانية التي هي الإقبال على العبادة، والمادية بعكس ذلك، أي: الشهوات والملذات والإقبال على بهرج الدنيا والأمور التي تبعد عن جو العبادة.

قال رحمه الله تعالى: [والناس متفاوتون في هذه الأرواح: فمن الناس من تغلب عليه هذه الأرواح فيصير روحانيا، ومنهم من يفقدها أو أكثرها فيصير أرضيا بهيميا].