للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأسماء الشرعية الواردة في علم العقيدة]

نحتاج هنا إلى بيان بعض المقدمات الضرورية في أول الكلام عن العقيدة، فأول ذلك مناسبة إشارة الشارح إلى علم أصول الدين والفقه الأكبر، فهذا يقودنا إلى معرفة أسماء علم العقيدة، أعني الأسماء الشرعية التي وردت عن السلف في وصف هذا العلم أو في تسميته، ثم الأسماء المبتدعة التي سادت عند كثير من المسلمين وهي لا تصح، بل لا يصح إطلاقها على هذا العلم، بل إن إطلاقها يعتبر من الابتداع.

أما الأسماء الشرعية الواردة على ألسنة السلف والتي اصطلحوا عليها، وهي أسماء تدل بمفهومها ومدلولها وألفاظها على عقيدة أهل السنة والجماعة؛ فهي كثيرة، لكن يمكن بالاستقراء أن نلخصها في سبعة أسماء لهذا العلم: أول هذه الأسماء وأهمها وأكثرها أصالة وأقربها إلى مفهومات النصوص وأكثرها استعمالاً على ألسنة السلف، وفي مصنفاتهم في القرون الثلاثة الفاضلة: كلمة (السنة)، بمعنى أنهم كانوا يطلقون على العقيدة: السنة، وعلى هذا غالب مصنفات أئمة الدين في القرون الثلاثة الفاضلة، بل لا نكاد نجد مصنفاً يخرج عن هذا الاسم إلا القليل النادر جداً، فأغلب ما صنفه أئمة الدين في العقيدة جعل تحت مسمى (السنة)، والسنة تعني العقيدة، وتعني الإيمان بمفهومه الشامل، وتعني أصول الدين، وتعني -أيضاً- هدي السلف الصالح، فالهدي الذي عليه أهل السنة والجماعة بعد الافتراق يسمى السنة؛ لذلك كان يطلق بإزاء البدعة وبإزاء الفرق، فيقال: هذا صاحب سنة، بمعنى أنه على عقيدة أهل السنة والجماعة ومقابل صاحب أهل البدعة، وإن كان هذا الاسم قد يطلق أحياناً في تسمية جزئية يدل عليها السياق، فقد تسمى رواية الحديث والدراية له، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم سنة، وقد تسمى النوافل سنة، لكن هذه تسمية جزئية مقيدة بالسياق، أما السنة إذا أطلقت عند السلف فإنها تعني العقيدة، فهذا الاسم الأول والأشهر، وهو الأولى بالإطلاق.

والثاني: التوحيد، والتوحيد جزء من العقيدة، لكن سميت به العقيدة لأنه هو أشرف موضوعات العقيدة، وأهم موضوعات العقيدة هو توحيد الله سبحانه وتعالى، فمن هنا سميت العقيدة كلها توحيداً؛ لأن مسائل الاعتقاد كلها تندرج تحت التوحيد المبني على التسليم والتصديق.

الاسم الثالث: العقيدة، وسميت عقيدة لأن المسلم يعقد قلبه بالجزم على أصول الدين، وعلى السنة، وعلى التوحيد.

الاسم الرابع: أصول الدين، وهذا الاسم قد كرهه بعض السلف، لكنه أصبح اصطلاحاً واضحاً، وربما يزول الإشكال إذا وضح مفهومه عند من يطلقونه، فأصول الدين يقصد بها العقيدة والقطعيات والمسائل الكبرى التي تحكم قواعد شرع، والذين كرهوا هذا الاسم أو هذا الوصف من السلف كرهوه لأنه يقسم الدين إلى أصول وفروع، فمن هنا قد يفهم العامة أن الفروع أقل منزلة من الأصول في الاعتقاد والعمل، وأنه ربما يسع الإنسان إذا عرف الأصول واعتقدها الإخلال بالفروع أو ببعضها، وهذا فهم خاطئ؛ فلذلك يرى بعض السلف أن الدين واحد أصوله وفروعه سواء، ولا يجوز أن يقسم إلى أصول وفروع، لكن مع ذلك ساد هذا الاصطلاح عند بعض أئمة الدين المحققين، ورضوه لأنهم يقصدون به العقيدة.

ومن الأسماء التي اشتهرت: الفقه الأكبر، لكن استعماله في أصول الدين أو في العقيدة قليل جداً، وهو -أيضاً- مثل كلمة (أصول الدين)، بمعنى أن الفقه بما يتعلق بالله سبحانه وتعالى وبعبادة الله، وبما يتعلق بمسائل أصول الدين الأخرى القطعية هو الفقه الحقيقي في الدين، فمن هنا سمي الفقه الأكبر، ولا يعنى به الفقه الاجتهادي، أي: فقه الأحكام، ففقه الأحكام يسمى بإزاء هذا الفقه الأصغر، وهذه التسمية يرد عليها تفصيلاً ما يرد على تسمية أصول الدين.

ومن الأسماء المشهورة -وهو السادس-: الإيمان، فقد يسمي بعض السلف العقيدة بمسمى الإيمان، وإن كان الإيمان قد يطلق إطلاقاً خاص، لكنه إذا جاء مطلقاً من غير مفهوم يخصصه في السياق فالغالب أنه يقصد به العقيدة؛ لأنه إذا أطلق يشمل الإسلام ويشمل العقائد الباطنة، يشمل الأعمال الظاهرة ويشمل العقائد الباطنة، فالأصح أن من أسماء العقيدة وإطلاقاتها: الإيمان بمعناه الشامل.

ومن أسماء هذا العلم وإطلاقاته: الشريعة، وهذا إطلاق نادر أيضاً، لكن رضيه أهل العلم، وإن كانت الشريعة في الاصطلاح الدقيق السائد المشهور تعني الأحكام، والعقيدة تعني أصول الدين، ومع ذلك قد يرد في بعض معاني العقيدة إطلاق الشريعة؛ لأن العقائد والأحكام من شرع الله، فهذه أشهر الإطلاقات التي عرفت عند السلف.