قال رحمه الله تعالى: [وروى مسلم والإمام أحمد عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة.
قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: وإياي، لكن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير).
الرواية بفتح الميم من (فأسلمَ)، ومن رواه (فأسلمُ) برفع الميم فقد حرف لفظه، ومعنى (فأسلمَ) أي: فاستسلم وانقاد لي في أصح القولين، ولهذا قال:(فلا يأمرني إلا بخير) ومن قال: إن الشيطان صار مؤمناً فقد حرف معناه؛ فإن الشيطان لا يكون مؤمناً].
ليس هناك ما يمنع أن يكون هذا القرين من الجن؛ وليس من الشياطين الذين حكم عليهم بالشيطنة على وجه خاص؛ لأن الشيطنة وصف عام ووصف خاص، فالوصف العام هو بمعنى الشر، فالإنس فيهم شياطين والجن فيهم شياطين، وذرية إبليس فيهم شياطين، والوصف الخاص هو المختص بالشيطان الذي هو إبليس وذريته الذين هم من جنسه وفصيله.
والناظر إلى النصوص الشرعية وإلى فهم الصحابة وفهم السلف وتفسيرهم للنصوص يجد أن الأحاديث التي جاء فيها أن الله أعان النبي صلى الله عليه وسلم على قرينه فأسلم تدل على أنه قرين من الجن، والجن منهم من يسلم ومنهم من يفسق، أو أنه قرين -مهما كان- قدر الله أن يسلم؛ لأن الأمور بيد الله عز وجل، حتى لو قلنا: إن الشياطين لا يسلمون كما يقول بعض الشراح، فالأمر راجع إلى قدرة الله عز وجل، وهذا خبر النبي صلى الله عليه وسلم، فلا داعي للتحريف وتطويع النصوص لقواعد عقلية، فإذا كان أسلم بقدرة الله فالله بيده مقاليد السموات والأرض وبيده قلوب عباده، فليس الأمر بغريب، والخبر لا بد أن يؤخذ على حقيقته، أن قرين النبي صلى الله عليه وسلم أسلم بمعنى أنه لم يعد كافراً، هذا ظاهر الحديث، فما عداه تكلف، وما أشرت إليه هو رأي الجمهور؛ لأنه أسلم حتى لم يكن يأمره إلا بخير.
قال رحمه الله تعالى: [ومعنى: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}[الرعد:١١] قيل: حفظهم له من أمر الله أي: الله أمرهم بذلك، يشهد لذلك قراءة من قرأ: يحفظونه بأمر الله].