للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفرق بين السلف وأتباعهم وبين المتكلمين المنسوبين إلى السنة والجماعة في إثبات الرؤية]

قال رحمه الله تعالى: [وقد قال بثبوت الرؤية الصحابة والتابعون، وأئمة الإسلام المعروفون بالإمامة في الدين، وأهل الحديث، وسائر طوائف أهل الكلام المنسوبون إلى السنة والجماعة].

يقصد بطوائف الكلام المنتسبة لأهل السنة والجماعة الأشاعرة والماتريدية والكرامية والكلابية والسالمية ومن نحى نحوهم، فهؤلاء كلهم يقولون بإثبات الرؤية وكلهم من المتكلمين الذين ينتسبون للسنة والجماعة، لكن إثباتهم الرؤية فيه اضطراب شديد جداً يتمثل في أنهم أثبتوها بشروط زائدة على ما ورد في الكتاب والسنة، ومن هنا وقعوا في اضطراب شديد، حيث قالوا بأن الله يرى يوم القيامة أو يراه المؤمنون بأبصارهم لكن بلا جهة، فيقولون: نثبت الرؤية بلا جهة، أو لا إلى جهة، أو إلى غير جهة، ونحو ذلك من العبارات الفلسفية، فعلى هذا يعدون ممن لا يثبتون الإثبات التام الشرعي، فإثباتهم في المبدأ لكن عند التفصيل لا يثبتون كما يثبت السلف، بل لا يثبتون كما تثبت النصوص الشرعية، فيضعون للرؤية استثناء، وهذا الاستثناء أوقعهم في إشكال، فلا هم الذين قالوا بقول أهل السنة وسلموا، ولا هم الذين قالوا بقول المعتزلة واتضح رأيهم، فوقعوا في اضطراب كما سيأتي تفصيله.

وممن وقع في الكلام في الرؤية الصوفية، وهذا لم يذكر، لكن ينبغي التنويه به في هذا المقام، فالصوفية قولهم بالرؤية على نحو قول أهل السنة في مبدأ الإثبات، لكنهم في النهاية يلحدون في الرؤية كما يلحدون في كثير من أمور التوحيد، بمعنى أنهم يقولون بالرؤية حتى بالعين الباصرة في الدنيا، فغلاة الصوفية يقولون: إن الرؤية تثبت في الدنيا قلبية أو بصرية، وإن الولي إذا وصل إلى درجة الفناء أو الحلول أو الاتحاد أو الوحدة؛ فقد يرى ربه بعينه، وهذا ما صرح به ابن عربي صاحب وحدة الوجود، فيرى أن المرئي هو الله، وأن الإنسان لا يرى إلا ربه في هذا الكون، وحينما يرى نفسه فإنه يرى ربه، وحينما يرى ربه فإنما يرى نفسه، وهذه فلسفة، لكنه أراد بها الخروج عن مقتضى الشرع والقول بقول غلاة الصوفية وغلاة الفلاسفة الذين يزعمون أنهم يرون ربهم عياناً كما يرونه بقلوبهم، فعلى هذا نتحصل في أصل مبدأ الرؤية على أربعة أقوال: الأول: الإثبات كما ورد في الشرع، وعليه أهل السنة والجماعة.

والثاني: الإثبات لكن بشروط زائدة بدعية، وعليه أهل الكلام، يقولون: نثبت الرؤية لكن بلا جهة.

والقول الثالث: قول الذين يثبتون الرؤية لكنهم يزعمون حصول الرؤية لبعضهم في الدنيا بالعين الباصرة وبالقلب، وهذا ضلال مبين وكفر.

والقول الرابع: هو قول الذين أنكروا الرؤية إطلاقاً بدون تفصيل، وهم الجهمية والمعتزلة ومتأخرة الخوارج والرافضة ومن نحا نحوهم من الفرق التي غلت وسلكت طريق الجهمية.