للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نفي إخوة يوسف إيمان أبيهم لهم في إخباره بشأن يوسف]

قال رحمه الله تعالى: [فمن أدلة الأصحاب لـ أبي حنيفة رحمه الله: أن الإيمان في اللغة عبارة عن التصديق، قال تعالى خبراً عن إخوة يوسف: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} [يوسف:١٧] أي: بمصدق لنا].

هذه الآية وجه الدلالة عندهم فيها غير صريح، فقول إخوة يوسف: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} [يوسف:١٧] لا يتعلق بقضية شرعية، فإخوة يوسف أخبروا أباهم بخبر ثم قالوا هذا القول، فما دخل في ذلك الإيمان في الاصطلاح الشرعي، فهم يستدلون بدليل يتعلق بالخبر على أمر يتعلق بالأوامر والنواهي الشرعية، فهذا الدليل ليس في مكانه.

إذاً: ليس المقصود في كلام إخوة يوسف الإيمان الشرعي، ولو كانوا يقصدون الإيمان الشرعي لقالوا: وما أنت بمؤمن بنا، لكن حينما قالوا: (لنا) عرف أن المقصود الإيمان بخبر وليس الإيمان بالمعنى الشرعي الذي هو الأعمال والأمور القلبية التي هي مقتضى الإسلام.

فهذا دليل على أن التصديق يسمى إيماناً، والإيمان يسمى تصديقاً مع زيادة، والسلف ما أنكروا أن الإيمان يسمى تصديقاً وأن التصديق يسمى إيماناً، لكن هل الإيمان الشرعي مقتصر على التصديق فقط؟! إذاً: فالحنفية تجاهلوا محل الخلاف واستدلوا على ما لا خلاف فيه.

قال رحمه الله تعالى: [ومنهم من ادعى إجماع أهل اللغة على ذلك، ثم هذا المعنى اللغوي -وهو التصديق بالقلب- هو الواجب على العبد حقاً لله، وهو أن يصدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من عند الله، فمن صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من عند الله فهو مؤمن فيما بينه وبين الله تعالى].

هذا الكلام صحيح في إطلاقه، لكن ليس دليلاً على أن الأعمال لا تدخل في مسمى الإيمان؛ لأنه تكلم عن أحكامنا الظاهرة التي يحكم بها المسلمون يحكم بها أهل العلم.

فالأسماء والأحكام حينما يقررها أهل العمل لا يقصدون بها ما عند الله عز وجل، بل يقصدون الظواهر التي نبني عليها أحكاماً باجتهادنا نحن البشر، فكونه مؤمناً بينه وبين ربه أمر لا نعلمه، فكيف نعرف أنه مؤمن وهو لا يعمل؟! وعكسه المنافق، فالمنافق لا نجزم بنفاقه لأننا لا نعلم ما في قلبه، لكن نحكم له بظاهر الإسلام ونقول بأنه مؤمن مسلم؛ لأنه عمل بظواهر الإيمان.

فكلامهم هذا كلام مجمل ليس حجة لهم ولا عليهم، وليس هو محل الخلاف، فنحن لا نتكلم عن تسمية العبد مؤمناً بينه وبين ربه، وإنما نتكلم عن تسميته في أحكام الدنيا، أما الأحكام الغيبية فلا نفترضها ثم نقيم الحجة على الافتراض.

قال رحمه الله تعالى: [فمن صدق الرسول فيما جاء به من عند الله فهو مؤمن فيما بينه وبين الله تعالى، والإقرار شرط إجراء أحكام الإسلام في الدنيا].

هذا كلام صحيح من وجه، لكن فيه إجمال، فما المقصود بكون الإقرار شرطاً؟! إن قصدوا بأن الإقرار شرط أننا لا نحكم بإسلام المؤمن أو بإيمان المؤمن إلا بالأعمال فهذا صحيح، وإن قصدوا أن الإقرار والعمل شرط زائد عن الإيمان فلا نقرهم على ذلك، ونقول: الإقرار والعمل إنما هو جزء من الإيمان، فمن أقر فهو مؤمن، ومن عمل فهو مؤمن في ظاهر الأمر، كما أن من صدق فهو مؤمن إذا ألحق تصديقه بالعمل والإقرار.

قال رحمه الله تعالى: [هذا على أحد القولين كما تقدم].

استدلوا أولاً بالآية على أن الإيمان المقصود به التصديق، ثم جاءوا بكلام إخوة يوسف، وإخوة يوسف لا يتكلمون عن الإيمان الشرعي، ولا يتكلمون عن أمور الدين والعقيدة، بل يتكلمون عن خبر كذبوا به على أبيهم، فقالوا: ما أنت بمؤمن لنا، ثم أتوا بالدليل الثاني.