[تصنيف الشارح الأحاديث المروية في الإشهاد]
قال رحمه الله تعالى: [ولا ريب أن الآية لا تدل على القول الأول، أعني: أن الأخذ كان من ظهر آدم، وإنما فيها أن الأخذ من ظهور بني آدم، وإنما ذكر الأخذ من ظهر آدم والإشهاد عليهم هناك في بعض الأحاديث، وفي بعضها الأخذ والقضاء بأن بعضهم إلى الجنة وبعضهم إلى النار، كما في حديث عمر رضي الله عنه، وفي بعضها الأخذ وإراءة آدم إياهم من غير قضاء ولا إشهاد، كما في حديث أبي هريرة.
والذي فيه الإشهاد على الصفة التي قالها أهل القول الأول موقوف على ابن عباس وابن عمرو رضي الله عنهم، وتكلم فيه أهل الحديث، ولم يخرجه أحد من أهل الصحيح غير الحاكم في المستدرك على الصحيحين، والحاكم معروف تساهله رحمه الله].
الأرجح أن الحديث صحيح وله طرق، وأخرجه غير الحاكم في المستدرك أيضاً.
قال رحمه الله تعالى: [والذي فيه القضاء بأن بعضهم إلى الجنة وبعضهم إلى النار دليل على مسألة القدر].
بمعنى أن الله عز وجل قدر على العباد في علمه السابق وفيما كتبه عليهم وفيما شاءه سبحانه أن منهم أهل الجنة وأن منهم أهل النار، فمصائر العباد لا تخرج عن هذا.
قال رحمه الله تعالى: [والذي فيه القضاء بأن بعضهم إلى الجنة وبعضهم إلى النار دليل على مسألة القدر، وذلك شواهده كثيرة، ولا نزاع فيه بين أهل السنة، وإنما يخالف فيه القدرية المبطلون المبتدعون.
وأما الأول: فالنزاع فيه بين أهل السنة من السلف والخلف، ولولا ما التزمته من الاختصار لبسطت الأحاديث الواردة في ذلك، وما قيل من الكلام عليها، وما ذكر فيها من المعاني المعقولة ودلالة ألفاظ الآية الكريمة].
في الحقيقة أن ما يظهر من الإشكال جاء من جانب واحد، وإلا فلا مجال للخلاف لولا هذا الإشكال، وهو أن الآية جاء فيها ذكر أخذ الذرية من ظهور بني آدم، حيث قال تعالى: {مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ} [الأعراف:١٧٢]، يعني: من مجموع بني آدم.
وفي الحديث أن الأخذ من آدم نفسه.
ويمكن الجمع بأن المقصود إخراج الذرية من آدم ثم يخرج بعضها من بعض في نفس الوقت، ولعل ذلك من لوازم إخراج الذرية من آدم فيما يظهر، فيحمل الحديث على الآية والآية على الحديث.
فالآية تشير إلى أن الله عز وجل أخذ الذرية من بني آدم، والحديث يشير إلى أن الله أخذ الذرية من ظهر آدم نفسه، فلو قلنا: إن من لوازم أخذ الذرية من ظهر آدم أن تؤخذ الذرية من ظهور بعضهم ثم يجمع بين النصين لكان هذا أولى، وقد أشار إليه بعض أهل العلم.
ويحمل الميثاق على النوعين: ميثاق فعلي حصل به الاستنطاق وأنطق الله به البشر، وأن الله كلمهم قبلاً كما ورد في الحديث ثم شهدوا.
والنوع الثاني: الذي بقي في حياة الناس بعد هذا المشهد، وهو دلائل توحيد الله عز وجل وبراهين وجوده، فهذا أثر من آثار الميثاق باق إلى يوم القيامة.