للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دليل تعلق كلام الله بمشيئته ولزوم قبول ما وافق الحق من قول المخالف]

قال رحمه الله تعالى: [وبالجملة فكل ما تحتج به المعتزلة مما يدل عَلَى أنه كلام متعلق بمشيئته وقدرته، وأنه يتكلم إذا شاء، وأنه يتكلم شيئاً بعد شيء؛ فهو حق يجب قبوله، وما يقول به من يقول: إن كلام الله قائم بذاته، وإنه صفة له، والصفة لا تقوم إلا بالموصوف، فهو حق يجب قبوله والقول به، فيجب الأخذ بما في قول كل من الطائفتين من الصواب، والعدول عما يرده الشرع والعقل من قول كل منهما].

الصحيح ألا نقول: قائم به ولا: غير قائم به؛ لأن هذا كلام فيه ابتداع من ناحية، وفيه إيهام من ناحية أخرى، لكن نظراً لأنهم اتخذوا كلمة (قائم به) ذريعة لإنكار الصفات؛ ألزمهم بها ليقول بأنه لا يمتنع أن الله سبحانه وتعالى تكون صفته متعلقة بمشيئته وقدرته، ومعنى (متعلقة بمشيئته وقدرته)، أن الله فعال لما يريد، وأن الله إذا شاء فعل، وأن الله قادر على أن يفعل هذه الأفعال، قادر على أن يتكلم متى شاء، وأن ينزل متى شاء، وأن يجيء متى شاء سبحانه، والنصوص جاءتنا بذلك، ولسنا نتكلم من عقولنا، وهذا هو الذي يميز أهل السنة عن غيرهم حينما يقولون: إن أفعال الله بقدرته ومشيئته، فليس هذا مجرد تقرير عقلي، صحيح أن العقل يصدقه، لكن ليس مجرد تقرير عقلي، بل هو مقتضى النصوص، فقد ثبت في النصوص أن الله ينزل، وثبت في النصوص أن الله يعجب ويضحك عز وجل، وأنه سبحانه وتعالى يرضى، وأنه يتكلم، ونحو ذلك من الأفعال، وإذا ثبت في النصوص قررناه، أما قولنا: متعلق بالمشيئة والقدرة؛ فإنه مأخوذ من مثل قوله تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود:١٠٧]، ولذلك لم يتورع بعض المعتزلة حتى عن نفي القدرة، فقالوا: إن الله تعالى لا يقدر على أن يتكلم بصوت وحرف، وقولهم: (لا يقدر) يتفلسفون فيه، فيقولون: ليس معنى هذا العجز، بل إن معنى (غير قادر) أنه غير قابل لأن يتكلم بصوت وحرف، وهذا كله رجم بالغيب، وافتراء على الله بغير علم، وكله إثم، فلذلك ينبغي لطالب العلم أن يحترز من مثل هذه الكلمات حتى على سبيل التقرير والتدريس، إلا إذا جاءت في عرض تقرير العقيدة في مثل هذا الكتاب أو غيره مما قرره السلف والأئمة، وردوا به بدع الأهواء التي انتشرت وخيف على الناس منها، وتكلم فيها طلاب العلم المأمونون الذين لا يخشى عليهم من الالتباس، أما إذا ظن الإنسان أن يلتبس الأمر على السامع؛ فالأولى أن لا تقرر هذه الصفات، لذلك أرى من الضرورة أن ننبه إخواننا الذين يتكلمون في المساجد وفي المحاضرات أن لا يتعرضوا لتفاصيل الرد على الفرق بمثل هذه الأمور أبداً، حتى لو جاء سؤال، ما لم يكن هناك درس متخصص فيه طائفة من طلاب العلم والمقبلين على درس العقيدة ويستوعبونها، فلا مانع، أما ما عدا ذلك فلا ينبغي في المجالس أن تثار هذه القضايا، أقول هذا لأني سمعت ونمي إلى علمي من أكثر من مصدر أن هناك من طلاب العلم من بدأ يمتحن الناس في هذه الأمور، ويمتحن العوام وأشباه العوام، ويتكلم في كلام الله تعالى وهو القرآن، ويسأل -كما ورد إلى- عن القرآن هل هو محدث أو مخلوق؟! وهذا كلام خطير في الحقيقة لا ينبغي أن يثار بين أهل العلم بغير ضرورة وحاجة، فكيف بغير أهل العلم؟! فمن هنا أقول: ينبغي أن نعود أنفسنا على أن لا نتكلم في تفاصيل الرد على الفرق في أسماء الله وصفاته، ولا نتكلم بأكثر مما ورد في الشرع في أسماء الله وصفاته، ولا نتكلم في الأسماء والصفات إلا على سبيل الفائدة والتقرير العام الذي لا يخرج عن ألفاظ النصوص، ولا مانع من أن يتكلم الإنسان عن الأسماء والصفات لاستنباط المعاني التي تقوي الإيمان ويبين فيها آثار الأسماء والصفات في أفعال العباد، وفي أفعال المؤمنين، أما ما عدا ذلك فلا ينبغي، ولولا أن هذا الكلام ورد في مثل هذا الكتاب، وكان السلف قد اضطروا إليه اضطراراً لما لجأنا إليه في مثل هذا الدرس، لكن لا بد مما ليس منه بد في درس متخصص.