للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أدلة أهل السنة على كون الروح مخلوقة]

قال رحمه الله تعالى: [وتوقف آخرون، واتفق أهل السنة والجماعة على أنها مخلوقة، وممن نقل الإجماع على ذلك: محمد بن نصر المروزي وابن قتيبة وغيرهما.

ومن الأدلة على أن الروح مخلوقة قوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد:١٦]، فهذا عام لا تخصيص فيه بوجه ما، ولا يدخل في ذلك صفات الله تعالى، فإنها داخلة في مسمى اسمه، فالله تعالى هو الإله الموصوف بصفات الكمال، فعلمه وقدرته وحياته وسمعه وبصره وجميع صفاته داخل في مسمى اسمه، فهو سبحانه بذاته وصفاته الخالق، وما سواه مخلوق، ومعلوم قطعاً أن الروح ليست هي الله ولا صفة من صفاته وإنما هي من مصنوعاته.

ومنها قوله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [الإنسان:١]، وقوله تعالى لزكريا: {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا} [مريم:٩] والإنسان اسم لروحه وجسده، والخطاب لزكريا لروحه وبدنه، والروح توصف بالوفاة والقبض، والإمساك والإرسال، وهذا شأن المخلوق المحدث.

وأما احتجاجهم بقوله: {مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء:٨٥] فليس المراد هنا بالأمر الطلب، بل المراد به المأمور، والمصدر يذكر ويراد به اسم المفعول، وهذا معلوم مشهور.

وأما استدلالهم بإضافتها إليه بقوله: {مِنْ رُوحِي} [الحجر:٢٩] فينبغي أن يعلم أن المضاف إلى الله نوعان: صفات لا تقوم بأنفسها، كالعلم والقدرة والكلام والسمع والبصر، فهذه إضافة صفة إلى الموصوف بها، فعلمه وكلامه وقدرته وحياته صفات له، وكذا وجهه ويده سبحانه].

يعني بذلك أن هذه الصفات وأمثالها لا يمكن أن تطلق إلا على موصوف، وإذا أطلقت بألفاظ اللغة بدون موصوف فإنها ليس لها وجود إلا في الأذهان، فهي مجرد تصور، فالصفات التي لا تقوم بنفسها هي التي إذا أطلقت فلابد أن تقيد بالموصوف، والصفات التي تقوم بنفسها هي الصفات التي إذا أطلقت تكون مستقلة، فيمكن أن يعبر عنها مستقلة، ويمكن أن يعبر عنها مضافة إلى غيرها، وفي الحالين تبقى أعياناً مستقلة تقوم بنفسها.

فالعلم إذا أطلق يبقى مجرد إطلاق ذهني، فإذا قلنا: علم الله صار صفة من صفات الله عز وجل، وهو العلم الكامل، وإذا قلنا: علم المخلوق صار صفة من صفات المخلوق المحدود.

أما الأسماء الأخرى التي تقوم بنفسها -وهي الأعيان المنفصلة- فهي التي تتعلق بالمخلوقات، مثل البيت، فيجوز أن تقول: أو هذا بيت، أو: هذا البيت، ونعرف أنه يطلق على شيء مخلوق ندركه، فإذا قلت: هذا بيت فلان فقد أضفته إلى فلان، ولكن لو لم تضفه لعرفنا أن البيت صفة قائمة بنفسها، وإذا أضيف إلى الله عز وجل -كبيت الله الحرام- فإنه تكون إضافة تشريف؛ لأنه مخلوق، ولا يمكن أن يكون من صفات الله عز وجل.