[الدليل العقلي على إثبات صفة العلم الكامل لله تعالى]
قال رحمه الله تعالى:[والدليل العقلي على علمه تعالى: أنه يستحيل إيجاده الأشياء مع الجهل، ولأن إيجاده الأشياء بإرادته، والإرادة تستلزم تصور المراد، وتصور المراد هو العلم بالمراد، فكان الإيجاد مستلزماً للإرادة، والإرادة مستلزمة للعلم، فالإيجاد مستلزم للعلم، ولأن المخلوقات فيها من الإحكام والإتقان ما يستلزم علم الفاعل لها؛ لأن الفعل المحكم المتقن يمتنع صدوره عن غير عالم، ولأن من المخلوقات ما هو عالم، والعلم صفة كمال، ويمتنع ألا يكون الخالق عالماً.
وهذا له طريقان: أحدهما: أن يقال: نحن نعلم بالضرورة أن الخالق أكمل من المخلوق، وأن الواجب أكمل من الممكن، ونعلم ضرورة أنا لو فرضنا شيئين أحدهما عالم والآخر غير عالم؛ كان العالم أكمل، فلو لم يكن الخالق عالماً لزم أن يكون الممكن أكمل منه، وهو ممتنع.
الثاني: أن يقال: كل علم في الممكنات التي هي المخلوقات فهو منه، ومن الممتنع أن يكون فاعل الكمال ومبدعه عارياً منه، بل هو أحق به، والله تعالى له المثل الأعلى، لا يستوي هو والمخلوقات، لا في قياس تمثيل ولا في قياس شمول، بل كل ما ثبت للمخلوق من كمال فالخالق به أحق، وكل نقص تنزه عنه مخلوق ما فتنزيه الخالق عنه أولى].
هذا الأمر فطري بالطبع، لا يكاد يغالط فيه أي عاقل، وهو أن الله سبحانه وتعالى الذي علم الإنسان ما لم يعلم لابد من أن يكون هو العالم، ولا يمكن أن يكتب المخلوق -وهو الإنسان أو غير الإنسان- علماً من دون الله، فالله سبحانه وتعالى إذا كان هو الذي وهب العباد العلم؛ فمن باب الضرورة العقلية والفطرية أنه سبحانه هو العالم، وأن ما عند المخلوقين إنما هو من علم الله، ولا يساوي مع علم الله شيئاً.
قال رحمه الله تعالى: [قوله: (وقدر لهم أقداراً): قال تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}[الفرقان:٢]، وقال تعالى:{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[القمر:٤٩]، وقال تعالى:{وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا}[الأحزاب:٣٨]، وقال تعالى:{الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى}[الأعلى:٢ - ٣].
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء)].