للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[القول بتأويل بعض النصوص فتح لتأويل الزنادقة لنصوص الدين كلها]

الوجه الثالث: إنا إذا قلنا: إن العقل هو المحكم كما أشار الشارح؛ فهذا يعني: أننا نفتح باب عدم الثقة بالعقيدة والنصوص، بمعنى: أننا إذا قلنا بهذا القول نزعنا اليقين من قلوب الناس، وجعلناهم يبحثون عن اليقين بوجوه أخرى، وهذا أولاً يوقع الشك في قلوب المؤمنين، ثم إنه ينزع اليقين، ثم لا يستقر أحد على قول، بدليل أن كل الذين أولوا ما اتفقوا على التأويل، ولو اتفقوا لكان هناك شبهة، وإلا فما عندهم دليل؛ لكن لو اتفقوا لقيل: هناك شبهة، وليس لهم شبهة يمكن أن تنطلي على العاقل.

فيقال للمؤولة: أنتم ما اتفقتم على التأويل، ثم لما فتحتم باب التأويل ولجه جميع المبطلين، حتى ألحدوا إلحاداً كاملاً، فالقرامطة فسروا جميع أمور الشرع بتفسيرات غريبة جداً، حتى أركان الإسلام وأركان الإيمان فسروها بأسماء رجال.

ثم من دونهم كالرافضة، فقد أولوا نصوص الشرع، حتى ما يتعلق بالأحكام منها، وفسروها بالتأويل تفسيرات حمقاء وساذجة وغريبة جداً؛ لأنهم فتح لهم باب التأويل؛ حتى الألفاظ التي لا تحتمل المعاني التي قالوا بها من حيث اللغة، جعلوا لها معاني غريبة جداً وشاذة؛ لأنهم يقولون: أنتم فتحتم باب التأويل، وهذا تأويلنا.

فعلى سبيل المثال: قالوا في قوله تعالى: {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} [الإسراء:٦٠] قالوا: هم بنو أمية، وبعضهم قال: عائشة، والبقرة المذكورة قالوا: هي عائشة، والجبت والطاغوت عندهم أبو بكر وعمر، فإذا قيل لهم: هذا تأويل لا يصح، قالوا: أنتم فتحتم باب التأويل، وهذا تأويلنا وهذا ما تقتضيه أصولنا إلى آخره.

إذاً: انفتح باب التأويل ولم ينغلق، وصارت عقول الناس تتفاوت في هذا، فمنهم من يعقل، ومنهم الأحمق الذي لا يعقل، والذي يعقل أيضاً في عقله قصور.

إذاً: ما هو العقل الذي يحكم؟ إنه عقل وهمي، وإذا كان المراد عقول هؤلاء الناس من البشر؛ فعقول البشر قاصرة، فالعقل الذي نعني به تفكير الإنسان ما فهم نفسه.

فلو قلت لأي عاقل: أين عقلك؟ أين يتمركز عقلك؟ فلن يعطيك جواباً يجزم به، وكذلك لو قلت له: هل عقلك في رأسك؟ هل هو في قلبك؟ هل هو بين الرأس والقلب؟ كيف تعقل؟ كيف تتم عملية العقل؟ إذاً: العقل ما عرف نفسه، فكيف -إذاً- يحكم في شرع الله ودينه؟! المهم أن شبهة المؤولة إلى يومنا هذا زعمهم أن العقل يحيل بعض معاني النصوص، فيقول: إنها مستحيلة، وعلى هذا خرجوا من مقتضى نص الشرع، ولم يصلوا إلى قرار، وكل منهم ذهب مذهباً لا يمكن أن يكون هو الحق؛ لأن الحق لا يتشتت كما تشتتوا هم.

نسأل الله السلامة.