للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اجتماع الناس على أصول الحق]

قال: [العقيدة التوقيفية الجامعة.

لماذا هذا الاهتمام بالعقيدة والبحث في مصادرها العلمية ومسارها التاريخي في القرون الأولى، ثم القرون: الرابع والخامس والسادس، ثم عصر ابن تيمية، ثم ما بعد ابن تيمية إلى يوم الناس هذا؟ والجواب عن ذلك: أولاً: أن أصول الحق هي التي تجمع الناس مهما تعددت أمكنتهم ومهما باعدت بينهم الأزمنة، ومهما اختلفوا في فروع الفقه.

إن النصوص التي أشرنا إليها والتي تتكلم عن مفهوم العقيدة لدى الحنفية والحنبلية والمالكية والشافعية وعند ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب والملك عبد العزيز وغيرهم من أئمة الهدى، هذه النصوص لم تتطابق في المفهوم فحسب، وإنما تطابقت في اللفظ كذلك].

قبل أن نتجاوز الكلام عن المذاهب أحب أن أشير إلى أمر من الأمور التي قد تخفى على كثير من الذين لم يتأملوا مسار العقيدة في القرون الثلاثة الفاضلة، ويتضح هذا بخطأ ساد عند كثير من الباحثين وطلاب العلم، وهو اعتقادهم أن بعض المذاهب أو الفرق لها ارتباط بالمذاهب الأربعة على وجه ما من الارتباط.

أقول: هذا أمر حادث بعد القرون الثلاثة الفاضلة، أما في القرون الثلاثة الفاضلة التي هي القدوة والتي زكاها النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلم يكن للمذاهب أي ارتباط بالفرق، بل كانت المذاهب الأربعة كلها -مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد - على السنة، وأئمتها جملتهم كانوا على السنة، وكانت هذه المذاهب بأتباعها -سواء العلماء وطلاب العلم والعامة- على السنة، وإن كان قد يوجد من أتباع الفرق من ينتمي إلى المذاهب، كبعض الشيعة قبل أن يكون لهم فقه مستقل، وكبعض المعتزلة والجهمية، لكن هذا أمر لا دخل له في صبغة المذاهب نفسها، فالصبغة الشرعية هي صبغة المذاهب، فكانت كلها على السنة، وهذا بإجماع، بل هو واضح جداً لا لبس فيه، فالإمام أبو حنيفة كان على السنة، وتلاميذه الأوائل كانوا على السنة، والإمام مالك كان من أئمة السنة المنافحين عنها المقررين لها، وتلاميذه الأوائل في القرون الثلاثة الفاضلة كانوا على السنة، والإمام الشافعي كذلك، والإمام أحمد لا نحتاج إلى أن نبين ذلك عنه، إذاً: اللبس إنما حدث بعد القرون الفاضلة، ففي القرن الرابع بدأ التمشعر على يد الأشاعرة، وكانوا من أتباع المذاهب، ثم في الآونة الأخيرة بعد القرن الرابع اقترنت تبعية المذاهب بتبعية الفرق بناء على حال الحكومات والسلاطين، فإذا كان السلطان -مثلاً- حنفياً وأشعرياً ربط الأحناف بالأشاعرة، وإذا كان حنفياً ماتريدياً ربط الأحناف بالماتريدية، وهكذا حتى صار الآن المفهوم عن كثير من المذاهب أنها مرتبطة بالفرق، وهذا ارتباط كله حادث، ولم يكن في العصور الأولى للمذاهب حينما كانت المذاهب مذاهب اجتهادية يقع فيها الخلاف ويرضاها المسلمون جميعاً، وبعدما تحولت إلى التعصب تحولت إلى الافتراق.

قال: [وهذا برهان مبني على: أ - الصدور عن الأصلين المعصومين: الكتاب والسنة.

ب - صحة المنهج العلمي في الاعتقاد والفهم.

ت - دقة الالتزام بالمنهج.

فالحق هو الحق في كل زمان ومكان، فإذا صح منهج التلقي ومنهج الفهم وحصل الصدق في الالتزام اجتمع الناس على الحق، وإن فصلت بينهم التخوم والقرون، فالأنبياء والمرسلون صلى الله عليهم وسلم اجتمعوا على أصل الديانة وإن لم ير بعضهم بعضاً، وإن ظهروا في عصور تطاولت بينها الآماد، قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى:١٣]، والمسلمون مأمورون بالاقتداء بالأنبياء في الاجتماع على الأصول].