للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أعظم الشبهات في القدر]

أحب أن أشير إلى مسألة سبقت قريباً، وهي إشارة الشارح إلى أن القدر هو أعظم ما يرد من إشكالات على الناس، يقول: إن أعظم الشبه الشبه في القدر، ومرض الشبهة في القدر هو أعظم هذه الأمراض، ويقصد بذلك أن الشبهة في القدر طعن في ربوبية الله عز وجل وإلهيته وحكمته؛ لأن القدر راجع إلى علم الله وتقديره وحكمته في عباده أو في خلقه، فمن شك في القدر أو نازع فيه أو أثار فيه المشكلات أو اعترض على شيء منه؛ فلابد أن ينعكس ذلك بالضرورة بالشك في المقدر وهو الله سبحانه، فمن شك في القدر أو خاض فيه أو أثار حوله الشبهات فلابد أن يطعن في علم الله عز وجل وفي تقديره وفي حكمته سبحانه، ومن ثم في أفعاله وفي صفاته وأسمائه؛ لأن القدر راجع إلى علم الله وأفعاله، فمن هنا كان أعظم أمراض القلوب هو القول في القدر، وهو المدخل إلى كثير من الأهواء، فلذا يجب أن يتجنب المسلم -خاصة طالب العلم- الخوض في القدر، وألا يعدو النصوص، حتى وإن وردت أسئلة في القدر يجب أن يتحاشاها طالب العلم، ويتحاشى الكلام فيها إلا بالقدر الضروري، كأن يأتي إنسان مريض بالشبهة فعلاً ويخشى عليه، فهذا يجاب بما ورد في آيات الله عز وجل وفي أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وأعتقد أنه لن يجد طالب العلم جواباً في القدر أكثر مما جاء في كلام الله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يمكن أن يرد سؤال أو إشكال في القدر إلا وجوابه في النصوص، فلذلك يجب على طالب العلم أن يتعود على أن يلتزم النصوص في الكلام في القدر، فإن في القدر محارات تتورط فيها العقول، وربما تسرح فيها الأوهام إلى ما لا نهاية.

إذاً: ينبغي لطلاب العلم أن يعودوا الناس التزام القواعد في القدر، وأن يعلموهم القواعد العامة الإجمالية التي تثبت الإيمان بالقدر دون الدخول في التفاصيل، وأن يعودوهم على ألا يسألوا في القدر، وأن يعودوهم الطريقة الشرعية فيما إذا وردت على حواسهم وعلى خواطرهم إشكالات في القدر، وهي أن يعودوا إلى أصل التسليم وتعظيم الله عز وجل، واستحضار معاني أسمائه وصفاته وحكمته؛ فإن من فعل ذلك لابد أن يشفى -بإذن الله- مما يجد من إشكالات في القدر، فمن وجد إشكالاً في القدر فعليه أن يعود إلى تعظيم الله عز وجل وتقدريه حق قدره، وأن يعلم بعض معاني أفعال الله وأسمائه وصفاته؛ فإنه بذلك -إن شاء الله- يستقر إيمانه ولا يحتاج إلى شيء من المغالطات والحجج العقلية، فإن من لجأ إلى ذلك قد لا يوفق ولا يسدد.

فالجواب عن القدر مقتصر على مسائل لا تخرج عن مجالس أهل العلم، وقد يضطر طالب العلم لكشف شبهة أمام الناس، فيضطر في حالات نادرة جداً أن يفصل أموراً عقلية تؤكد معاني ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لكن هذا الاستثناء أظنه نادر الوقوع، فلا ينبغي أن يؤثر على الأصل.