[حكم الجماعات الحزبية ومن ترفع شعار السلفية وغير ذلك من الجماعات]
السؤال
هل الجماعات الموجودة الآن من الفرق الثنتين والسبعين؟ وهل من انتسب إلى السلفية يعتبر على سبيل المؤمنين، أم هو أقرب، أم هو من التحزب المنهي عنه شرعاً؟
الجواب
هذا سؤال كبير، وكثير من المشايخ تكلموا في هذه الأمور بكلام جيد بين وواضح، وقعّدوا لها بقواعد، يستطيع طالب العلم من خلالها أن يستبين منها الحق.
وعلى أي حال فالجماعات الموجودة الآن إن قصد بها الجماعات الحزبية ذات الشعارات والمناهج، فأغلب هذه الجماعات ترجع إلى أصول بدعية أصلاً، حتى وإن ادعت السنة؛ لأنها خرجت من منابت بدعية، هذا شيء، الشيء الآخر أننا لا نعرف من منهج السلف أن هناك تحزبات أو جماعات، هذا مخالف لنهج السلف، وبمجرد أن توجد الحزبية فالمنهج غير سلفي إطلاقاً، بل يعتبر نوعاً من الافتراق، حتى وإن ادعى صاحبه أنه على مذهب أهل السنة، وحتى وإن كان نظرياً وعلمياً على مذهب أهل السنة والجماعة، أو عقيدته العلمية على مذهب أهل السنة، فإذا تحزب ورفع شعاراً غير السنة والجماعة، وأوجد مناهج في الدين والدعوة مخالفة لمنهج السلف، فهذا خروج عن السنة.
فنحن هنا نحكم على الجماعات ذات الطابع الحزبي بأنها خرجت عن منهج أهل السنة والجماعة خروجاً كلياً وجزئياً، لكن أهم من هذا كله وهو ما ذكرته في أول حديثي، وأؤكده الآن، ليكون واضحاً أن الجماعات التي خرجت في العالم الإسلامي جماعات أصولها بدعية أصلاً؛ لأنها خرجت من منابت أحسن ما فيها أنها خرجت من منابت أهل الكلام الأشاعرة والماتريدية، وخرجت من منابت صوفية، ومنابت قبورية، ومنابت عقلانية، ومنابت اعتزالية، ومنابت جهمية، فالمسألة واضحة، لكن لا يعني ذلك الحكم على الأفراد، وإنما الحكم من حيث الجملة.
أما ما ذكره السائل من وجود بعض الشعارات السلفية، فأقول: السلفية ليست شعاراً، ومن ادعى السلفية فيعرض أمره على الكتاب والسنة، أو على نهج السلف، فإن سلم من التحزب، وسلم من وضع مناهج منحرفة في الدين، وسلم من البراء من غيره ممن هم من أهل السنة، وهذه مشكلة أكثر السلفيين يتبرءون ممن يخالف منهجهم الخاص، فوقعوا في الحزبية من حيث لا يشعرون، فإذا تبرءوا ممن لا يكون على منهجهم الخاص، ولم يغفروا له زلته، ولم يعذروه بالمعاذير الشرعية، وقعوا فيما وقع فيه الحزبيون، وهذه الحزبية ربما تكون أضيق من الحزبية العامة الموجودة عند الجماعات، وإن كان هذا قليلاً، لكن مع ذلك أحذر من ذلك، كما هو معروف عن أهل العلم ومشايخنا الذين لهم بصر ومعرفة بهذه الأمور، فإنهم بينوا للناس أن هناك بوادر تحزب عند بعض من يرفعون شعارات السلفية، لكن لا يعني ذلك: أن كل من رفع شعار السلفية نتهمه، لا، بالعكس.
إذاً: غالب الجماعات ترجع إلى الثنتين والسبعين فرقة، بطبيعة الحال، من خلال المنشأ والمنابت والمناهج التي وضعوها.
وهنا أحب أن أؤكد على عمل آخر؛ لكي لا يفهم الكلام على غير وجهه، وهو أن بعض الأساليب والوسائل في الدعوة إلى الله عز وجل يسميها كثير من الناس: حزبيات وجماعات، فمثلاً: وجود مراكز إسلامية لا تضع مناهج تخالف السلف، ولا تعلن ولاءات، ولا تعلن حزبيات، وإنما هي عبارة عن وسائل تعليم مثل: المدارس، المراكز، والمؤسسات مثل: مؤسسة الحرمين، وما كان على شاكلتها، هذه وسائل وأساليب في خدمة السنة، لا تُعَدُّ جماعات، بعض الناس حكم عليها على أنها تجمع وتحزب، وهذا غير صحيح، وفيه جناية، وأيضاً فيه حجر للأمة؛ لكي لا تعمل ولا تنشط، فالعمل المؤسسي مشروع، وأهل السنة أولى به من غيرهم، وكذلك بقية الوسائل، ولذلك أعجب من الذين يقولون: إن وسائل الدعوة توقيفية، فمن وسائل الدعوة الشريط، والكتاب، ومن وسائل الدعوة: استعمال الحاسبات، ومن وسائل الدعوة: استعمال الآلات والمصنوعات الحديثة في خدمة الدين، فهل هذه توقيفية؟ وأنا لا أدري لماذا تثار هذه الضجة حول وسائل الدعوة؟! فالخلاصة أن استعمال هذه الأساليب والوسائل، التي تخضع لضوابط السلف ومناهج السلف لا تدخل في الافتراق، ولا تدخل في الجماعات ولا الحزبيات.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.