للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تعليق على كلام المحقق في نقله المذاهب في منزلة العمل من الإيمان]

وللمحقق كلام في الحاشية نقله عن غيره فيه شيء من الإجمال، وكنت أود لو أنه وضحه، حيث قال ناقلاً: [قال الخوارج والمعتزلة: إن الأعمال أجزاء الإيمان، فالتارك للعمل خارج عن الإيمان عندهما].

فهذه العبارة آخرها صحيح وأولها فيه نظر، أعني أن القول بأن الأعمال أجزاء للإيمان هذا فعلاً قول المعتزلة وقول الخوارج، لكنه يوافق بعض أقوال أهل السنة والجماعة، وقلت لكم: أهل السنة والجماعة يرون أن الأعمال داخلة في الإيمان، وأنه يمكن أن يعبر بعضهم بأنها أجزاء الإيمان، لكن ليست أجزاء بمثابة الأركان عند أهل السنة، بل أجزاء بمثابة المتممات والمكملات، فالإيمان يزيد وينقص لأنها منه، فظاهر أول العبارة يوافق قول أهل السنة والجماعة بأن الأعمال أجزاء الإيمان، وإن كانوا لا يعبرون بهذا التعبير، لكن هذا هو مفهوم قول أهل السنة والجماعة، ثم عند التطبيق يفارق الخوارج والمعتزلة أهل السنة، فالخوارج والمعتزلة حينما وافقوا أهل السنة على أن الأعمال تدخل في مسمى الإيمان -وهو ما عبر عنه هنا بأجزاء الإيمان- خالفوهم في مسألة حكم الذي يخالف في الأعمال، وهو مرتكب الكبيرة، فإن الخوارج والمعتزلة يرون أن مرتكب الكبيرة إذا أخل بجزء الإيمان اختل إيمانه كله، بينما أهل السنة يقولون: إذا أخل بجزء الإيمان -وهو العمل- ينقص إيمانه بقدر الخلل العملي.

ثم جاء بكلام ينبغي التنبيه عليه، وهو أنه أشار إلى قول المرجئة، فقال: [والثالث مذهب المرجئة، فقالوا: لا حاجة إلى العمل، ومدار النجاة هو التصديق فقط]، وهذا كلام مجمل، وكان الصواب أن يقول: مذهب الجهمية، أو يقول: غلاة المرجئة، أو: مرجئة الجهمية، ولا يقول: مذهب المرجئة، فالمرجئة لا يقولون: لا حاجة إلى العمل، إنما يقولون: العمل لا يدخل في مسمى الإيمان، فهو إنما حكى هنا قول الجهمية وسماه مذهب المرجئة، وفي هذا نوع من الإيهام.

ثم قال: [فصار الأولون والمرجئة على طرفي نقيض، والرابع أهل السنة وهم بين بين, فقالوا: إن الأعمال أيضاً لا بد منها، لكن تاركها مفسق لا مكفر، فلم يشددوا فيها كالخوارج والمعتزلة، ولم يهونوا أمرها كالمرجئة].

هذا الكلام في الحقيقة فيه إجمال وإيهام، صحيح أن أهل السنة بين المرجئة الغلاة وبين الخوارج والمعتزلة، لكن قوله بأنهم قالوا: إن الأعمال لا بد منها كأنه يحكي مذهب أبي حنيفة، بمعنى أنها شرط زائد عن مجرد الإيمان، وأنها من لوازم الإيمان، بينما أهل السنة يقولون: لا بد منها بمعنى أنها من الإيمان أو تدخل فيه، ثم قوله: [لكن تاركها مفسق لا مكفر] هذا فيه تفصيل وليس على إطلاقه، فبعض الأعمال تاركها يكفر بحسب ما ورد في النصوص، وبعضها يفسق، وأيضاً يقال بأن إيمانه ناقص، ويقال: نقص إيمانه.

وقوله: [ولم يهونوا أمرها كالمرجئة] أيضاً فيه نظر؛ لأن مرجئة الفقهاء هونوا أمرها في آخر الأمر، ثم قال: [افترقوا إلى فرقتين، فأكثر المحدثين أن الإيمان مركب من الأعمال، وإمامنا أبو حنيفة وأكثر الفقهاء والمتكلمين إلى أن الأعمال غير داخلة في الإيمان] هو هنا خلط بين الناس قال: [مع اتفاقهم على أن فاقد التصديق كافر].

نعم، فاقد التصديق بالكلية كافر.

أيضاً وكلمة (أكثر الفقهاء) فيها نظر.

وقوله: [فلم يبق الخلاف إلا في التعبير] هذا أيضاً فيه نظر، فليس صحيحاً أن الخلاف في التعبير، الخلاف عقدي، وهو اعتقاد أن العمل يدخل في مسمى الإيمان، وهذا هو الحق، وأن الإيمان يزيد وينقص، وهذا هو الحق، وأنه يجوز الاستثناء في الإيمان؛ لأنه عمل البشر، وعمل البشر يجوز استثناؤه، ولأن الإنسان لا يدري ما مصيره وما مصير عمله عند الله عز وجل، فالاستثناء جائز، وهو لا يعني عدم الثقة بالعمل، إنما يعني أن يكل الأمر إلى الله عز وجل، ولا يزكي نفسه.