[قياس أهل الكلام ما يتعلق بالله على عالم الشهادة من أسباب خوضهم المذموم]
خلاصة هذا المقطع: أن أهل الكلام الذين خاضوا في أسماء الله وصفاته وأفعاله وفي ذاته عز وجل وخاضوا في أمور الغيب؛ كان من أهم أسباب خوضهم في هذه الأمور أنهم قاسوا أفعال الله وصفاته وذاته على ما يعرفونه من عالم الشهادة، أي: من المخلوقات، فلذلك جاءوا بمسألة التركيب والجسمية والتحيز والجوهر والجهة.
ويقصد بذلك أن الذين عطلوا أسماء الله وصفاته، أو الذين عطلوها وأولوها لهذه العلل؛ فزعموا أن بعض ألفاظ أسماء الله عز وجل أو صفاته تدل على التركيب فنفوها أو أولوها.
وبعضهم زعم أنها تدل على الجسمية، فبعض أسماء الله وصفاته قالوا فيها: هذه تدل على الجسمية، أو تشعر أو توهم -بتعبيرات مختلفة منهم- فنظراً لذلك تنفى عن الله عز وجل أو تؤول، وكذلك التحيز والجوهر والجهة والعرض وغيرها من الألفاظ.
فالمقصود: أن الذين عطلوا أسماء الله وصفاته -كالجهمية- أو الذين أولوها -كالمعتزلة- ثم الذين ورثوا التأويل عنهم -وهم الأشاعرة والماتريدية- إنما نفوا أسماء الله وصفاته وعطلوها وأولوها بدعوى أنها تنطبق على هذه المصطلحات، وهذا كله رجم بالغيب، بل هو قول على الله بغير علم، فإذا جاز أن تنطبق هذه الأمور على ألفاظ صفات المخلوقات؛ فلا يجوز ذلك في حق الله عز وجل؛ لأن الله ليس كمثله شيء.
فأسماء الله وصفاته وأفعاله تثبت له تعالى على ما يليق بجلاله، ولا يمكن أبداً بحال من الأحوال أن توهم المشابهة؛ لأن حقائقها تختلف، بل تغاير كل المغايرة حقائق خلق المخلوقات.
والطبائع الأربع التي ذكرها هنا هي الرطوبة واليبوسة والحرارة والبرودة، ويقصدون بذلك أن هذه الصفات يتكون منها الحيوان، سواء الإنسان والحيوانات الأخرى ذات الأرواح.
وزعموا أن كل صفة تدل على عضو أو توجد في المخلوق فإنها صفة مركب، فمن هنا نفوها عن الله عز وجل بدعوى أنها تفيد التركيب، كاليد والعين إلى آخره.