[الجمع بين كون الدجال في جزيرة في البحر وكونه سيولد من أم]
السؤال
في حديث تميم الداري: أن الدجال مكبل في البحر في جزيرة، وذكر في حديث آخر أنه يولد من أم ذكرت صفاتها، فهل في هذا تعارض؟
الجواب
مسألة الدجال من المسائل الغيبية، والدجال لا شك في أن أمره أمر خارق للعادات، ولا يخضع لمقاييس البشر وموازينهم في أمور الدنيا؛ لأنه ورد من صفاته أنه يأتي بأمور خارقة ليفتن الله به الناس، وكونه موجوداً في البحر لا يتعارض مع كونه يخرج في آخر الزمان، ولا يتعارض مع الأحاديث التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ذكر أنه لا يبقى بعد مائة سنة أحد على الحياة، فهذه محصورة بمكان معين وعلى فئة معينة من الناس، فذلك أمر مستثنى، فلا يمنع من كونه وجد في جزيرة أن يخرج على الناس في آخر الزمان في طور آخر من أطواره، ولا يمنع ذلك -والله أعلم- أن يكون للدجال صور أخرى بين البشر، لا على أنه هو الدجال الذي يخرج في آخر الزمان، فلذلك تنازع الصحابة والمحققون من أهل العلم في مسألة ابن صياد: هل هو الدجال أو هو غيره؟ وهذه مسألة مشهورة لا تزال من المشكلات، فأئمة الدين الأعلام يعدونها من المشكلات التي تحتاج إلى نظر، ومع ذلك لم يصلوا فيها إلى نتيجة؛ لأن أمرها أمر غيبي، وابن صياد ظهر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وانطبقت عليه صفات الدجال، فإذا قيل: إنه هو الدجال فهذا يعني أنه تشكل بشكل آخر أراد الله أن يختبر به جمهور الصحابة فنجحوا في الاختبار؛ لأنهم عرفوا أنه دجال وهجروه، لكن هل هو الدجال المشهور أو دجال من الدجالين؟ فبعض الصحابة يرى أنه هو الدجال بعينه ظهر بصورة من الصور، والله قادر على ذلك، ومن هؤلاء ابن عمر وحفصة أخته، وأبو هريرة وغيرهم من أئمة الصحابة؛ يرون أنه هو الدجال بعينه، لكن ليس هو الذي سيظهر في آخر الزمان بالصورة الأخرى، إنما هو شخصه ظهر في ذلك الزمان كدجال من الدجالين، فلذلك لما حصل بينه وبين ابن عمر مشاجرة وضربه ابن عمر حصل منه أمر مرعب؛ حيث انتفخ حتى كاد أن يسد السكة، وارتعب منه الناس، فلما علمت حفصة أنَّبَت أخاها، وقالت: أتريد أن تخرجه علينا؟! أما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(يخرج الدجال في غضبة يغضبها)؟! أتريد أن تغضبه فتخرجه علينا؟! فما أنكر ذلك ابن عمر ولا أنكره الصحابة الذين سمعوا كلامها.
ولما علم الصحابة بأمره كادوا أن يقتلوه، حتى قال عمر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم: دعني أقتله، وكذلك غير عمر، طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتلوه، فقال لـ عمر:(إن يكن هو فلن تسلط عليه)، وفعلاً ما سلط عليه.
ولما بقي بعد النبي صلى الله عليه وسلم نبذه الصحابة وكانوا يكرهونه، ولذلك لما قيل: إنه تزوج؛ قال بعض العلماء: لا يعرف أنه تزوج زواجاً شرعياً، ولما قيل: إنه جاءه ولد، قالوا: إنه ولد ليس بشرعي، ولما قيل: إنه مات ودفن، مع أن الدجال لا يموت ويدفن في المدينة؛ قالوا: إنه لم يعرف مصيره، ولم يمت ولم يدفن، ولما حج أظهر الإسلام، وكأنه بذلك يريد أن يستريح من أذى المسلمين وهجرهم له، فذهب إلى مكة، ولما قرب من مكة خلا بـ أبي سعيد الخدري فشكا عليه حاله، وقال: إني أكاد أقتل نفسي، حتى رق له أبو سعيد، وقال: إن الناس يتهمونني وأنا بعيد عما يقولون؛ لأنهم زعموا أني الدجال، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن الدجال لا يدخل المدينة ولا مكة، وهأنذا جئت من المدينة وأدخل مكة، أما تعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الدجال لا يولد له ولد، وها قد ولد لي ولد، والدجال ليس بمسلم، وأنا مسلم، يقول أبو سعيد: فرققت لحاله.
ولكن بعدما انتهى من هذا الحديث نكص على عقبيه، فقال: ومع ذلك -يا أبا سعيد - والله إني أدري من هو الدجال وأين هو.
والخلاصة: أن موضوع الدجال موضوع غيبي الله أعلم به، ويمكن أن يكون مكبلاً في الجزيرة، وفي الوقت نفسه يظهر للناس بصور أخرى؛ لأنه من أعوان الشيطان، لكن الدجال المعهود الذي يكون في آخر الزمان بصفات معينة وعلى وضع معين لم يظهر إلى الآن.