نرجع إلى تفسير الأبيات، على المحمل الحسن، وسنتكلف وأمرنا إلى الله.
فقوله:(ما وحد الواحد من واحد) على التفسير الحسن يقصد بذلك: أنه لا يوجد أحد من المخلوقات وصل إلى حقيقة توحيد الله تعالى الكاملة، أي: ما وحد الله أحد من خلقه التوحيد الكامل الحقيقي الذي يليق بالله سبحانه وتعالى، فتوحيد البشر مهما بلغ أقل من أن يصل إلى كمال الله تعالى، فلم يوحد الله على الحقيقة سوى الله، أي: التوحيد الكامل الذي لا يمكن أن ترتقي إليه مدارك البشر.
(إذ كل من وحده جاحد) يقصد أن من حاول أن يقول بالتوحيد الكامل؛ فإنه لا يزال يخفى عليه جوانب أخرى من توحيد الله، فهذه الجوانب هو جاحد لها لم يصل إلى حقيقتها.
ثم قال:(توحيد من ينطق عن نعته عارية أبطلها الواحد) يقصد بذلك أن الله سبحانه وتعالى هو الذي أعارهم الوسائل التي عرفوا بها التوحيد، فعرف الإنسان توحيد الله بفطرته وعرف توحيد الله بعقله، وعرف توحيد الله بآياته، وهذه الأمور كلها من مخلوقات الله ومن مواهب الله التي وهبها للخلق، فهو استعارها من الله ليتعرف على الله.
إذاً: فهي عادية موقوتة تزول، وتبقى شهادة الله لنفسه بالتوحيد هي الشهادة العظمى.
وقوله:(توحيده إياه توحيده) يعني: أن التوحيد الحقيقي لله تعالى هو شهادة لله لنفسه، فهي التوحيد الحقيقي الذي يوقف عنده، أما توحيد المخلوقات فهو توحيد لا يمكن أن يبلغ كمال الله تعالى، فكمال الله تعالى لا يتناهي ولا يرتقي إليه ولا إلى إدراكه مخلوق على وجه التفصيل.
وقوله:(ونعت من ينعته لاحد) يعني بذلك أن من تطلع إلى وصف الله تعالى بالنعوت الكاملة؛ فإنه لا يستطيع، ويلحد بذلك، إنما يستطيع البشر أن يصفوا الله تعالى ببعض نعوته، لذلك ذكر الله سبحانه وتعالى لنا أن من أسمائه وصفاته ما لا يخطر على بال بشر.
إذاً: فمن ادعى أنه يستطيع أن ينعت الله بجميع كمالاته؛ فهو بذلك لاحد، أي: خارج ومائل عن الحق.
هذا هو التفسير المتكلف؛ لئلا نتهم إماماً من أئمة المسلمين -وهو الهروي - بالإلحاد، وقد تنطوي بعض المعاني على بعض البشر -وإن كان إماماً في الدين- ليثبت للبشر أنه لا عصمة إلا للأنبياء.