للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجوب المبادرة بقبول خبر رسول الله والعمل به واجتناب الخوض فيما جهل علمه]

قال رحمه الله تعالى: [فلأن يلقى العبد ربه بكل ذنب -ما خلا الإشراك بالله- خير له من أن يلقاه بهذه الحال، بل إذا بلغه الحديث الصحيح يعد نفسه كأنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل يسوغ له أن يؤخر قبوله والعمل به حتى يعرضه على رأي فلان وكلامه ومذهبه؟! بل كان الفرض المبادرة إلى امتثاله من غير التفات إلى سواه، ولا يستشكل قوله لمخالفته رأي فلان، بل تستشكل الآراء لقوله، ولا يعارض نصه بقياس، بل تهدر الأقيسة وتلغى لنصوصه، ولا يحرف كلامه عن حقيقته لخيال يسميه أصحابه معقولاً، نعم هو مجهول، وعن الصواب معزول، ولا يوقف قبول قوله على موافقة فلان دون فلان كائناً من كان.

قال الإمام أحمد: حدثنا أنس بن عياض حدثنا أبو حازم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: (لقد جلست أنا وأخي مجلساً ما أحب أن لي به حمر النعم، أقبلت أنا وأخي، وإذا مشيخة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس عند باب من أبوابه، فكرهنا أن نفرق بينهم، فجلسنا حَجْرة، إذ ذكروا آية من القرآن، فتماروا فيها حتى ارتفعت أصواتهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضباً قد احمر وجهه، يرميهم بالتراب، ويقول: مهلاً يا قوم! بهذا أهلكت الأمم من قبلكم، باختلافهم على أنبيائهم، وضربهم الكتب بعضها ببعض، إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضاً، وإنما يصدق بعضه بعضاً، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه)].

هذا فيه إشارة إلى قاعدة في التعامل مع النصوص أرى كثيراً من الناس -بل حتى بعض طلاب العلم في هذا الزمان- لا يتأدبون بأدبها، وهي في المراء والخوض في المسائل العلمية غير البينة أو التي تحتاج إلى الاجتهاد بشروطه والكلام فيها بغير علم مع ضرب النصوص بعضها ببعض، أقول: كثير من الناس اليوم يتساهل، فقد تذكر أحياناً أحاديث أو مسائل علمية في بعض المجالس فتجد كل واحد من الحاضرين ينتزع دليلاً من القرآن أو دليلاً من السنة ويضربون الأدلة بعضها ببعض بدون أدب مع كتاب الله تعالى ومع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبدون اعتبار لأصول الاجتهاد وأصول الأخذ بالنصوص، ودون تورع عن القول على الله بغير علم، مع أن مثل هذه المسائل كثيراً ما تؤدي إلى الخصومات والمراء والجدل والنزاع، وأحياناً تؤدي إلى التشاحن، فابتداء الأمر بهذه الصورة خطأ فضلاً عن أن نهايته تؤدي إلى الإثم، فعلى هذا ينبغي أن يناصح الناس وتثار هذه المسألة كثيراً بين طلاب العلم، فيتواصون بعدم التساهل في أخذ المسائل العلمية بغير نهج سليم وفي ضرب الأدلة بعضها ببعض، فتجد أن كثيراً من الناس من السهولة عنده بمكان أن يأخذ آية ويستدل بها على أمر يراه هو مجرد رأي دون أن يعرف هل وجه الاستدلال صحيح وهل الآية تدل على المراد أم لا، وهل هي ناسخة أو منسوخة، ثم هل هو ممن يملك الاجتهاد ويعرف المسائل والأدلة وكيف يجمع بينها إلى آخره، كل ذلك لا يراعى في كثير من أحاديث الناس اليوم.

فينبغي أن تتواصوا بهذا الأمر؛ لأنه بدأ يستفحل ويكثر في الناس، حتى إنه تجرأ على ذلك العوام والشباب الصغار والنساء؛ لكثرة تعلم الناس وكثرة القراء فيهم وقلة الفهم، فأخذوا يضربون الآيات بعضهما ببعض والنصوص بعضها ببعض، وكل يأتي وينتزع الدليل على هواه، وأحياناً يستدلون بطرق غريبة جداً لا تتناسب مع فهم العربية فضلاً عن أصول الاستدلال.

وتجدهم يفسرون الآيات على أهوائهم، وينقلون الحديث ثم يفسرونه على أهوائهم، وهذا مشهور وواقع، تتبناه بعض الصحف وتنشره علانية، وهذا نوع من انتشار هذه الظاهرة عند الصحافة والصحفيين، حيث ظهرت الجرأة على أحكام الله تعالى وعلى أحكام الشرع، وعلى قضايا الأمة الخطيرة وما هو من أمور العلم الشرعي، وما الصحافة إلا مظهر من مظاهر ما يحدث في المجتمع، وإن كانت الصحافة في الغالب مجروحة العدالة أصلاً وابتداء، لكن الناس الأصل فيهم العدالة، ونحن ننصح الناس، وأما الصحافة فينبغي أن تردع الصحافة ينبغي أن تردع من قبل الولاة عن الجرأة على دين الله تعالى وعلى أحكامه.