وقد يقول سائل: هل الإمام محمد بن عبد الوهاب إمام المرحلة الثالثة؟ فنقول: السلف جماعة واحدة، لا يفرق بينهم الزمان، والمراحل أمور اصطلاحية فنية، فيجوز أن نقسم المراحل إلى المئات والآلاف والعشرات، ويجوز أن نلغي المراحل ونقول: مذهب أهل السنة والجماعة مرحلة واحدة من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، فهذه أمور اصطلاحية، أما أن يقال: إن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في أكثر وجوهها العلمية والاعتقادية هي امتداد لدعوة ابن تيمية فهذا صحيح، لكن لا يعني أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب انفرد بشيء، اللهم إلا بأمور تقتضيها ظروف الزمان والمكان، فـ محمد بن عبد الوهاب أتيح له بنصر الدولة السعودية وبنصر الجماعة من أهل التوحيد ما لم يتح لشيخ الإسلام ابن تيمية، هذا هو وجه الفرق، أما ما عدا ذلك فالاتجاه فيه واحد، وكل في اتجاه السلف، ولا ننسى أنه قامت دعوات إصلاحية على مذهب أهل السنة والجماعة في بلاد المسلمين الأخرى غير دعوة الشيخ، لكن لم يكن لها أثر كأثر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
قال:[وكان أمر العقيدة جلياً لدى الملك عبد العزيز؛ إذ يقول رحمه الله: يسموننا بالوهابيين ويسمون مذهبنا بالوهابي باعتبار أنه مذهب خاص، وهذا خطأ فاحش نشأ عن الدعايات الكاذبة التي كان يبثها أهل الأغراض، نحن لسنا أهل مذهب جديد وعقيدة جديدة، فعقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح، ونحن نحترم الأئمة الأربعة، ولا فرق عندنا بين مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة وكلهم محترمون في نظرنا.
هذه هي العقيدة التي قام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب يدعو إليها، وهذه هي عقيدتنا، وهي عقيدة مبنية على توحيد الله عز وجل خالصة من كل شائبة منزهة عن كل بدعة].
ذكرني هذا ببعض الركائز، وقد نوه بها الملك عبد العزيز رحمه الله مرات عديدة، بل هي تعتبر من أعظم الأسس التي كان يعتمد عليها عملياً ويقول بها نظرياً، وقد التزمها في سائر حياته، وهي: اعتبار أهل العلم أئمة الدين، اعتبارهم بكل معاني الاعتبار، ليس اعتبار المجاملة ولا مجرد اعتبار التقدير والاحترام، إنما اعتبار العمل والتطبيق، فكانوا هم الشيوخ، وكان كل أمر ذي بال يتعلق بالأمة يصدر عنهم، وكانت المصالح الكبرى للأمة تصدر عنهم، وهذا هو العهد الذي كان بينهم وبين الملك عبد العزيز رحمه الله، وهو عهد قد التزمه وتعهد به وتوعد من يخالفه.
ومن الركائز التي كان كثيراً ما يحرص عليها الملك عبد العزيز تطبيق الحدود، وهذه هي التي تعتمد عليها الدولة الإسلامية أياً كانت في ترسيخ أمرها وفي حماية دينها وفي مصداقية تطبيقها لشرع الله، فأعظم مصداقية لتطبيق الشرع هي تطبيق الحدود وحماية الدين من الردة ومن انتهاك الحرمات ونهب الأموال، وغير ذلك مما يستوجب الحدود.
فهذه من الركائز المعلومة البدهية عند عامة أهل العلم، بل وعامة أهل البلاد، فكلهم يعلم أن هذه الدولة -بحمد الله- قامت عليها، ونرجو أن تستمر عليها بإذن الله.