للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأقوال في مسمى الإسلام]

قال رحمه الله تعالى: [وقد صار الناس في مسمى الإسلام على ثلاثة أقوال: فطائفة جعلت الإسلام هو الكلمة، وطائفة أجابوا بما أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الإسلام والإيمان حيث فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة، والإيمان بالإيمان بالأصول الخمسة].

قوله: منهم من جعل الإسلام هو الكلمة، الكلمة تعبير عن الشهادتين، أو الإقرار بالإسلام بأي تعبير ولو بالقرائن، يقولون: من أقر بالإسلام كأن ينطق بالشهادتين، أو تتوافر عندنا القرائن على إقراره بالإسلام -كملازمته للقيام بشعائر الدين- فإن هذا يكفيه أن يكون مسلماً، بل قالوا: إن هذا هو المقصود بالإسلام الإقرار، وانقسموا إلى طائفتين: منهم من اعتبر الإسلام هو النطق والإقرار، ومنهم من اشترط توافر القرائن الأخرى مع الشهادتين أو مع الإقرار باللسان.

ومنهم من قال: إن الإسلام يعني: الأعمال الظاهرة، وهو قريب من القول الأول، إلا أن القول الأول حصر بالكلمة، قالوا: إن الإسلام هو الأعمال الظاهرة من الدين، ذلك أن الدين أعمال قلبية باطنة وهي الاعتقادات والأمور الإيمانية التصديقية، وأعمال ظاهرة، وهي الشعائر الظاهرة التي تؤدى بالأركان، فقالوا: إن الإسلام المقصود به هو الأعمال الظاهرة فحسب.

وقول ثالث: أن الإسلام والإيمان مترادفان لا فرق بينهما أبداً، والقول الرابع هو الذي يرى التفريق عند الاجتماع والترادف عند الانفراد، وإن كان الترادف لا يعني الترادف من كل وجه، لكن في الجملة، وهذا هو قول جمهور السلف، فيرون أنه يفرق بين مسمى الإيمان ومسمى الإسلام عندما يجتمعان فإذا اجتمع الإيمان والإسلام في كلمة واحدة فإن الإيمان يعني: الأمور القلبية الاعتقادية المعرفية التصديقية، والإسلام يعني: شعائر الدين الظاهرة، وإذا انفرد كل واحد منهما عن الآخر فلابد أن يتضمن الآخر، فإذا أطلق اسم الإيمان على الشخص -كأن نقول: المؤمن- فلابد أن يتضمن معنى المسلم؛ لأن الكافر لا يسمى مؤمناً في الاصطلاح الشرعي، وإن سمي مؤمناً في الاصطلاح اللغوي فيما يتعلق ببعض أجزاء العقيدة، كالإيمان بالله.

وقالوا: إن المؤمن إذا جاء منفرداً فإنه يشمل معنى الإسلام، وكذلك المسلم يشمل معنى الإيمان؛ لأنه جاء منفرداً، ومع ذلك قالوا: قد يطلق على المنافق أنه مسلم، لكن هذا أمر غيبي لا تتعلق به الأحكام التي نقررها، ذلك أن الأحكام على أهل القبلة وتسميات أهل القبلة ونحو ذلك متعلقة بالظواهر ومتعلقة بالقرائن، وأمور القلوب غيبية، فعلى هذا يبقى الاصطلاح صحيحاً، واستثناء المنافق لا يرد؛ لأننا لا نعلم المنافق، فأحكامنا التي نطلقها لا نفرق فيها هذا التفريق الذي يقال فيه: يستثنى منه المنافق، فالراجح أن كلمة إسلام وإيمان ومسلم ومؤمن إذا اجتمع دلت كل واحدة على معنى، وإذا افترقت دلت كل واحدة على الأخرى.

وأما قوله: الإيمان بالأصول الخمسة، فالمراد الأصول الخمسة الواردة في آية بسورة النساء {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء:١٣٦]، وأغفل الإيمان بالقدر لا على أساس أنه ليس من أركان الإيمان، لكن على أساس أن الغالب في الآيات والأحاديث ذكر الأصول الخمسة، وعلى أي حال فهذا الاصطلاح سبق أن تكلمت عنه وأرى أن فيه نظراً؛ لأنه موهم، فالأولى أن يقال: الأركان الستة.

قال رحمه الله تعالى: [وطائفة جعلوا الإسلام مرادفاً للإيمان، وجعلوا معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة،) الحديث، شعائر الإسلام.

والأصل عدم التقدير، مع أنهم قالوا: إن الإيمان هو التصديق بالقلب، ثم قالوا: الإسلام والإيمان شيء واحد، فيكون الإسلام هو التصديق! وهذا لم يقله أحد من أهل اللغة، وإنما هو الانقياد والطاعة].

هنا أشار إلى تناقض هؤلاء في قولهم حيث قالوا: إن الإيمان هو التصديق بالقلب، ثم قالوا: الإسلام والإيمان شيء واحد، فكأنه يقول بأنهم حينما أشاروا إلى أن الإيمان يخص معنى وهو التصديق بالقلب تناقضوا بعد ذلك حينما جعلوه مرادفاً للإسلام تماماً.

أما إذا رجعنا إلى المصطلح الشرعي فلاشك أن الإيمان معنى زائد عن التصديق، والإسلام أيضاً معنى زائد على مجرد الشعائر الظاهرة، وهذا أمر مهم ولابد أن نستصحبه في كل ما سيأتي، وإذا تبين لنا ذلك عرفنا كيف نميز أدلة أهل السنة من أدلة غيرهم ووجوه الاستدلال فيها، وأقصد بذلك أن نفرق بين المدلول اللغوي للإسلام وللإيمان وبين المدلول الشرعي لهما، فعرفنا أن المدلول اللغوي للإيمان هو التصديق، وأن المدلول اللغوي للإسلام هو الانقياد العام الظاهر، وقد يطلق على الانقياد الباطن في اللغة، لكن هناك فرق بين هذا وبين المعنى الاصطلاحي الشرعي للكلمتين، فالشرع جاء بمسمى للإيمان، وهو أنه يشمل الأعمال الصالحة، وجاء أيضاً بمسمى للإسلام، وهو أنه يشمل الأمور القلبية، وترتب على هذا الأحكام في الدنيا والآخرة، فعلى هذا لابد من استصحاب الاصطلاح الشرعي عند الكلام على مسمى ال