للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المراد بظهور ثلاثين كذاباً يدعون النبوة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم

في هذا الحديث ذكر عدد المتنبئين الكذابين الذين سيخرجون في هذه الأمة، وقد يرد في ذكر العدد بعض الإشكالات عند من لم يتأمل معنى الحديث، أو لم يتأمل أيضاً قصص التاريخ التي ذكر فيها أحاديث وقصص المتنبئين الكذابين، فالإشارة إلى الثلاثين مقيدة بأمور، منها: أن هذا العدد المقصود به بعض الذين يتنبئون وليس كلهم، فالبعض هم الذين تتوافر فيهم صفات المتنبئ الكذاب؛ لأنا لو نظرنا إلى عدد من خرجوا في التاريخ فنجدهم بالآلاف، ولا يخلو شهر أو سنة من سنين هذه الدنيا إلا ويخرج فيها متنبئ كذاب، لكنه قد لا تتوافر فيه الشروط التي بها يسمى متنبئاً، فالذين تتوافر فيهم الشروط قلة، وربما لم يبلغ عددهم إلى الثلاثين، والله أعلم.

والذين ظهروا في تاريخ المسلمين من المتنبئين الكذابين الذين كانت لهم شوكة ولهم أثر وبقي ذكرهم؛ لا يصلون في الحقيقة إلى هذا العدد، وهذا يعني -والله أعلم- أنه لا يزال المجال مفتوحاً لخروج كذابين، لا سيّما أنه وردت أحاديث أخرى -أظنها بأسانيد حسنة- عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من المتنبئين الكذابين أربع نسوة، ولا يعرف في التاريخ من النساء من كان لها أثر وشوكة إلا سجاح التغلبية، وهذه ظهرت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، وبعدها لم نعرف أن متنبئة كذابة ظهرت، فبقي منهن -إذا صح الحديث- ثلاث، وعصر المرأة الآن يمهد لظهور كذابات، والله أعلم؛ لأن نفخ المرأة بأكثر مما تستحق يجرئها على أن تدعي النبوة، وأظن أن الأمور الآن من خلال ما يحدث في العالم الآن من إعطاء المرأة أكبر من قدرها تهيئ لظهور متنبئات كذابات، وعلى أي حال لا نتنبأ بالغيب، لكن إرهاصات ذلك واضحة، ومع ذلك يبقى الأمر معلقاً على صحة الحديث، وأنا لم أتثبت من صحة الحديث، إلا أني أعرف أنه رواه الإمام أحمد، وأنه -أيضاً- بإسناد حسن، لكن يحتاج لمتخصصين يرجعون إلى الحديث، والحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (في أمتي كذابون ودجالون، سبعة وعشرون، منهم أربع نسوة)، وأرجوا من الإخوة المهتمين بالحديث أن يفيدونا بصحة حديث السبعة وعشرين متنبأ، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك بعدما ظهر في آخر عهده ثلاثة من المتنبئين الكذابين، وهم: الأسود العنسي ومسيلمة الكذاب وطليحة الأسدي، هؤلاء كلهم تنبئوا في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم.

فالثلاثون هنا المقصود بهم: الذين لهم شوكة ولهم أثر، أما المجانين وأشباه المجانين والمهلوسون الذين عندهم نوع من حب الشهرة؛ فهؤلاء لا يحسب لهم حساب، وإلا فهم كثرة كاثرة لا يكادون يحصون، لكن ما ثبت من هؤلاء وأصر وصار له أتباع إلا عدد قليل، وأولهم أو الأربعة الذين ظهروا قبل حروب الردة ثم قضي على دعواتهم مع حروب الردة ما عدا العنسي؛ فقد اغتيل بأمر النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بليالٍ، وقد بشر بقتله قبل وفاته عليه الصلاة والسلام.

فالذين تنبئوا في التاريخ وكان لهم أثر وكان لهم أتباع وبقي لهم ذكر وصارت لهم مبادئ وعقائد نقلت عنهم ورويت عنهم هؤلاء قلة في التاريخ.