للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أحوال الإنسان في قبره]

هذا الكلام متعلق بعذاب القبر ونعيمه، والإنسان تثبت له في قبره سبعة أحوال: الحالة الأولى: أنه تعاد روحه إلى جسده في الحياة البرزخية، والحياة البرزخية هي الواسطة بين حياتين؛ إذ البرزخ هو الفاصل بين شيئين، فالطريق الفاصل بين أرضين يسمى برزخاً، والطريق بين البحرين يسمى برزخاً، فالبرزخ معناها حياة بين حياتين، بين حياة الدنيا وبين الحياة الآخرة.

فأول أحوال الإنسان أنه تعاد روحه في جسده، والثانية يأتيه ملكان، ويحصل له من الملكين ما يحصل، ومن ذلك أنهما يحاسبانه ويسألانه، وليس المراد الحساب التفصيلي الوارد بعد الحشر والبعث، إنما هو حساب محدود بهذه الأسئلة الثلاثة.

والملكان قيل: إنهما المنكر والنكير، وبعض أهل العلم يصحح حديث منكر ونكير الذي فيه اسماهما.

والحالة الثالثة: أنه يسأل عن ثلاثة أمور: عن ربه، وعن دينه، وعن نبيه صلى الله عليه وسلم.

والحالة الرابعة: أنه يفرش له إذا كان مؤمناً من الجنة، نسأل الله أن يجعلنا جميعاً من أهل الجنة.

وإذا كان من أهل الجنة فله حالة خامسة، وهي أن يفتح له باب إلى الجنة، فيأتيه من روحها وريحها.

والحالة السادسة: أنه إذا كان أيضاً مؤمنا يفسح له في قبره مد بصره، وهذه مسألة غيبية أيضا أشكلت على بعض العقلانيين الذين لا يؤمنون إلا بالمحسوسات، فزعموا أن القبور المتقاربة لا يتأتى أن يمد لكل واحد من المؤمنين فيها مد بصره؛ لأنهم قاسوا أحوال البرزخ بأحوال الدنيا، وهو قياس فاسد؛ فإن ذلك أمر راجع إلى قدرة الله عز وجل، وراجع إلى الحياة البرزخية الغيبية بكل أجزائها، ولا تحكمها مقاييس الدنيا، لا بمسافات ولا بزمان ولا بمكان، إنما هي راجعة إلى قدرة الله عز وجل، وهذا أمر لا حد له، والخبر لا بد أن يصدق.

والحالة السابعة: أنه يأتيه رجل حسن الوجه إذا كان مؤمناً، وتنعكس الأحوال الأربعة الأخيرة بالنسبة للكافر، نسأل الله العافية.

فهذه أحوال سبعة ثبتت بالنصوص: إعادة الروح، وسؤال الملكين، وما يفرش له، وما يفتح له من باب، وكذلك أنه يمد له مد بصره، أو يضيق عليه إذا كان كافراً، نسأل الله السلامة، وأنه يأتيه رجل فإن كان مؤمناً كان حسن الوجه يؤنسه ويسعد به، وإن كان عمله سيئاً فيكون بمثابة الرجل القبيح الوجه، كما هو وارد في النصوص.

هذه الأحوال ثبتت فيها النصوص، ولم يجادل فيها أهل العلم، وإن كان بعض أهل العلم ناقش في بعض المسائل، لكن الغالب أن من ناقشوا هم من أهل الكلام، وليسوا من أهل السنة، وأن من روي عنهم هذا الشيء من بعض أهل السنة ربما لم يبلغهم الحديث، مع أني لا أعرف أن هذا من آراء أهل السنة، إنما هو من آراء المتكلمين، أي إنكار هذه الامور جميعاً أو بعض هذه الأمور، أو بعض هذه الاقوال.

وأما تسمية الملكين بمنكر ونكير فهذه مسألة راجعة إلى ثبوت الحديث الذي فيه التسمية، لكن لا أثر لها على ثبوت ورود خبر الملكين، فإن هذا أمر آخر، وقد خلط بعض المفسرين في هذه المسألة، فخلط بين إنكار اسم منكر ونكير، أو دعوى أنه لم يرد إلا في أحاديث ضعيفة، وبين مسألة ثبوت ورود الملكين، فالملكان لا شك أنهما يأتيان الإنسان في قبره، لكن تسمية الملكين بمنكر ونكير هذه راجعة -كما قلت- إلى صحة الحديث، والظاهر أن الحديث صحيح، والله أعلم.