قال رحمه الله تعالى:[فإن قال: أنا لا أثبت شيئاً من الصفات، قيل له: فأنت تثبت له الأسماء الحسنى، مثل: حي، عليم، قدير، والعبد يسمى بهذه الأسماء، وليس ما يثبت للرب من هذه الأسماء مماثلاً لما يثبت للعبد، فقل في صفاته نظير قولك في مسمى أسمائه].
هنا بدأ يرد على المعتزلة، فالمعتزلة يثبتون لله الأسماء مثل: عليم، قدير، حي، لكنهم ينفون عن الله الصفات مثل الحياة والعلم والقدرة، فيقولون: حي بلا حياة، وعليم بلا علم، وقدير بلا قدرة، وهذه فلسفة، لكن الشارح يقول لهم -وهذا مبدأ عند أهل السنة والجماعة-: إن السبب الذي أثبتم به الأسماء موجود في الصفات، والسبب الذي نفيتم به الصفات موجود في الأسماء، فلا داعي للتفريق بينهما، فهم يقولون -مثلاً- في نفي الحياة والعلم والقدرة: لأنها من صفات المخلوقين، فيقال لهم: أيضاً المخلوق يقال له: حي، ويقال له: عليم، ويقال له: خبير بحدود ما أعطاه الله سبحانه وتعالى من هذه الأسماء والصفات، فالتفريق بين أسماء الله وصفاته كالتفريق بين الصفات بعضها مع بعض، والقاعدة عند النفاة وعند المؤولة قاعدة واحدة، وإذ رد عليهم بقواعدهم نفسها، فما أثبتوه لا حجة لهم في نفي ما عداه، وما نفوه لا حجة لهم في إثبات ما عداه.
إذاً: لا بد في القاعدة الشرعية أن تطرد، فإذا قال الأشاعرة -مثلاً- بأن لله صفات -كالسمع والبصر- ليست كصفات المخلوقين، فيقال لهم: كذلك تثبت لله المحبة والرضا والنزول والمجيء على غير ما عليه المخلوق، إنما تثبت على ما يليق بجلال الله تعالى، لا لأننا استنتجنا ذلك بخيالاتنا وعقولنا، لكن لأنها ثبتت في النصوص، فصفات الرضا والعَجَب والغضب واليد والوجه ثابتة بنصوص الشرع، وهي تثبت لله تعالى على ما يليق بجلاله، ودعوى المشابهة أو دعوى الالتباس بصفات المخلوقين دعوى باطلة؛ لأن الله ليس كمثله شيء، وكما أنه ليس كمثله شيء في بعض صفاته التي أثبتوها؛ فكذلك ليس كمثله شيء في الصفات التي نفوها، وكما أن الله تعالى ليس كمثله شيء في أسمائه؛ فكذلك ليس كمثله شيء في صفاته، فلا داعي للتفريق بين الصفات، ولا للتفريق بين الأسماء والصفات.