الموقف من ذكر الحدود والغايات ونحو ذلك من الألفاظ المحدثة نفياً أو إثباتاً
قال رحمه الله تعالى: [قوله: (وتعالى عن الحدود والغايات، والأركان والأعضاء والأدوات، لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات).
أذكر بين يدي الكلام على عبارة الشيخ رحمه الله مقدمة، وهي: أن للناس في إطلاق مثل هذه الألفاظ ثلاثة أقوال: فطائفة تنفيها، وطائفة تثبتها، وطائفة تفصل وهم المتبعون للسلف، فلا يطلقون نفيها ولا إثباتها إلا إذا بين ما أثبت بها، فهو ثابت، وما نفي بها، فهو منفي؛ لأن المتأخرين قد صارت هذه الألفاظ في اصطلاحهم فيها إجمال وإبهام كغيرها من الألفاظ الاصطلاحية، فليس كلهم يستعملها في نفس معناها اللغوي، ولهذا كان النفاة ينفون بها حقاً وباطلاً، ويذكرون عن مثبتيها ما لا يقولون به، وبعض المثبتين لها يدخل فيها معنى باطلاً مخالفاً لقول السلف، ولما دل عليه الكتاب والميزان، ولم يرد نص من الكتاب ولا من السنة بنفيها ولا إثباتها، وليس لنا أن نصف الله تعالى بما لم يصف به نفسه ولا وصفه به رسوله نفياً ولا إثباتاً، وإنما نحن متبعون لا مبتدعون.
فالواجب أن ينظر في هذا الباب، أعني باب الصفات، فما أثبته الله ورسوله أثبتناه، وما نفاه الله ورسوله نفيناه.
والألفاظ التي ورد بها النص يعتصم بها في الإثبات والنفي، فنثبت ما أثبته الله ورسوله من الألفاظ والمعاني، وننفي ما نفته نصوصهما من الألفاظ والمعاني].
هذا الكلام كله يتعلق بالألفاظ المحدثة، والمقصود بالألفاظ المحدثة: هي تلك العبارات التي أطلقها أهل الأهواء، خاصة الجهمية والمعتزلة ومن سار على سبيلهم من أهل الكلام كالأشاعرة والماتريدية، أطلقوها في أسماء الله وصفاته، ولم ترد في الكتاب والسنة، سواء أطلقوها على سبيل الإثبات، ككلمة (القديم) وكلمة (الصانع)، أو أطلقوها على سبيل النفي كنفي المباينة والمفاصلة والعرض والجوهر والجسم إلى آخره، هذه العبارات كلها حينما كثرت وعمت بها البلوى قعد السلف لها بقواعد، هذه القواعد فيها تفصيل وفيها إجمال، أما التفصيل فسيأتي في الدرس القادم؛ لأن هذا الموضوع طويل، أما الإجمال فعلى ما يلي: أولاً: هذه الألفاظ -أي: كلمة الحدود، والغايات، والأركان، والأعضاء، والأدوات، والجهات، والأجسام، والجواهر، والمباينة، والمفاصلة ونحو ذلك مما تكلم به المتكلمون- كل هذه الأمور: تعتبر ألفاظاً مبتدعة، لم ترد في الكتاب والسنة.
ثانياً: أنها لا تنفى بإطلاق ولا تقبل بإطلاق، يعني: لا تنفى نفياً مطلقاً ولا تثبت إثباتاً مطلقاً.
ثالثاً: أنه لابد من التفريق بين معانيها وبين ألفاظها، فما كان فيها من معانٍ صحيحة أخذت وقبلت وردت إلى ألفاظ الشرع، وما كان فيها من معانٍ فاسدة فإنها ترد مطلقاً، أما ألفاظها فليست بملزمة، بل ينبغي تجنب هذه الألفاظ البدعية.
رابعاً: أن ما تكلم الله عز وجل به عن نفسه وما تكلم به رسوله صلى الله عليه وسلم عن ربه هو الكمال المطلق الذي يدخل فيه كل كمال يمكن أن يرد في أذهان البشر أو على ألسنتهم.
خامساً: أن كل كمال فالله عز وجل أحق به، وكل ذلك راجع إلى ألفاظ الشرع، فلا يمكن لأحد من المخلوقات أن يعبر باسم أو وصف أو فعل لله عز وجل بأعظم مما تكلم الله به عن نفسه وتكلم به عنه رسوله صلى الله عليه وسلم.