[استلزام رجاء عفو الله الإتيان بالعمل الصالح]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [قوله: (ونرجو للمحسنين من المؤمنين أن يعفو عنهم ويدخلهم الجنة برحمته، ولا نأمن عليهم، ولا نشهد لهم بالجنة، ونستغفر لمسيئهم، ونخاف عليهم ولا نقنطهم)].
هذا الموضوع داخل في باب الأسماء والأحكام، أي: أنه تفصيل في أحكام المسلمين، سواء منهم المتقون والمقصرون الذين وقعوا في بعض التقصير أو وقعوا في بعض العظائم؛ فهؤلاء وأولئك يدخل موضوعهم في العقيدة في باب الأسماء والأحكام، أي: تسميتهم مسلمين ومؤمنين، وأحكامهم في الدنيا والآخرة.
قال رحمه الله تعالى: [وعلى المؤمن أن يعتقد هذا الذي قاله الشيخ رحمه الله في حق نفسه وفي حق غيره، قال تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء:٥٧]، وقال تعالى: {فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:١٧٥]، وقال تعالى: {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} [البقرة:٤١]، {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة:٤٠]، {فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} [المائدة:٤٤].
ومدح أهل الخوف، فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون:٥٨ - ٦١].
وفي المسند والترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: (يا رسول الله! الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة، أهو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق؟ قال: لا، يا ابنة الصديق، ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف ألا يقبل منه).
قال الحسن رضي الله عنه: عملوا - والله - بالطاعات واجتهدوا فيها، وخافوا أن ترد عليهم، إن المؤمن جمع إحساناً وخشية، والمنافق جمع إساءة وأمناً.
انتهى].
في المقطع التالي سيذكر أن الخوف والرجاء يستلزمان العمل، وليس الخوف والرجاء مجرد أمانٍ، وإنما لا بد أن يكون الخوف وراءه عمل، والرجاء وراءه عمل.
قال رحمه الله تعالى: [وقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:٢١٨]، فتأمل كيف جعل رجاءهم مع إتيانهم بهذه الطاعات؟! فالرجاء إنما يكون مع الإتيان بالأسباب التي اقتضتها حكمة الله تعالى، شرعه وقدره وثوابه وكرامته.
ولو أن رجلاً له أرض يؤمل أن يعود عليه من مغلها ما ينفعه فأهملها ولم يحرثها ولم يبذرها، ورجا أنه يأتي من مغلها مثل ما يأتي من حرث وزرع وتعاهد الأرض؛ لعده الناس من أسفه السفهاء، وكذا لو رجا وحسن ظنه أن يجيئه ولد من غير جماع، أو يصير أعلم أهل زمانه من غير طلب العلم وحرص تام، وأمثال ذلك، فكذلك من حسن ظنه وقوي رجاؤه في الفوز بالدرجات العلا والنعيم المقيم من غير طاعة ولا تقرب إلى الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
ومما ينبغي أن يعلم أن من رجا شيئاً استلزم رجاؤه أموراً: أحدها: محبة ما يرجوه.
الثاني: خوفه من فواته.
الثالث: سعيه في تحصيله بحسب الإمكان].
الشيخ: لذلك قرر أهل العلم أهل السنة والجماعة أن العبادة لا بد أن تقوم على ثلاثة أركان، وإذا اختل ركن اختلت العبادة: الركن الأول: المحبة لله عز وجل.
والركن الثاني: رجاء رحمة الله عز وجل ورجاء ثوابه.
والركن الثالث: هو الخوف، أي: الخشية من الله عز وجل والخشية من عقابه وعذابه.
وهذه الأمور كلها لا بد أن تترجم إلى عمل.
قال رحمه الله تعالى: [وأما رجاء لا يقارنه شيء من ذلك فهو من باب الأماني، والرجاء شيء والأماني شيء آخر، فكل راج خائف، والسائر على الطريق إذا خاف أسرع السير مخافة الفوات.
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨]، فالمشرك لا ترجى له المغفرة؛ لأن الله نفى عنه المغفرة، وما سواه من الذنوب في مشيئة الله، إن شاء الله غفر له، وإن شاء عذبه.
وفي معجم الطبراني: (عند الله يوم القيامة ثلاثة دواوين: ديوان لا يغفر الله منه شيئاً، وهو الشرك بالله، ثم قرأ: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء:٤٨] وديوان لا يترك الله منه شيئاً، وهو مظالم العباد بعضهم بعضاً، وديوان لا يعبأ الله به، وهو ظلم العبد نفسه بينه وبين ربه)].