[بيان ما أراد به الطحاوي من نفي الحدود والغايات والأعضاء والأدوات ونحو ذلك]
قال رحمه الله تعالى:[والشيخ رحمه الله تعالى أراد الرد بهذا الكلام على المشبهة كـ داود الجواربي وأمثاله القائلين: إن الله جسم وإنه جثة وأعضاء، وغير ذلك، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً].
المشبهة الأوائل كـ داود الجواربي وهشام بن الحكم وما نسب إلى الكرامية وما نسب إلى المقاتلية على درجات، فمنهم من يدعي التشبيه والتمثيل الكامل، حتى إنه يتكلم عن الله عز وجل بالحد والمسافة، ويتكلم عن الله عز وجل بوصف لا يعرف إلا في المخلوقات كالنوع والكيفية، فهذا التشبيه وجد في الرافضة الأوائل كالجواربية والجواليقية ونحوهم، وهناك نوع آخر من التشبيه، وهو المبالغة في الإثبات على نحو ما ذكر سابقاً، مثلاً: يقولون: إن الله عز وجل -تعالى الله عما يقوله الظالمون- موصوف بالحد، أو يقولون: إن الله موصوف بالجهة، ولا يقصدون ما يعنيه السلف من العلو والفوقية، إنما يقصدون المعنى الباطل الذي ذكرت، وأحياناً يقولون: قابل لوصف الأعضاء أو نحو ذلك، تعالى الله عما يزعمون، لكنهم لا يحددون تفصيلاً، إنما يقولون هذا إجمالاً، يعني: لا يتورعون عن القول بالأعضاء والأركان والأدوات والحدود والغايات والجهات ونحو ذلك، لكنهم لا يفصلون، ويقولون: إن إثبات الصفات يدل على هذه المعاني، يعني: يأتون بمعان مبتدعة جديدة، ويقولون: إثبات الصفات يدل عليها، وهؤلاء كالكرامية، وكالمقاتلية، والمشبهة المتأخرة الذين انتهوا؛ لأن التشبيه مر بمرحلتين: المرحلة الأولى في نهاية القرن الأول وبداية القرن الثاني، وكان تشبيهاً شنيعاً بمعاني التشبيه الساذجة التي لا تليق حتى حكايتها، فلما اصطدموا بأقوال أهل العلم وبجهود السلف وما فعلوه تجاههم -حتى إنهم كفروهم وحكموا بقتلهم- تراجعوا عن التشبيه الكامل، فقالوا بالتشبيه المجمل، لكنه أيضاً تشبيه بدعي نفاه السلف وتبرءوا منه، وهو التشبيه الذي لا يتكلم في التفصيلات، لكن يعطي لأسماء الله وصفاته معاني لم ترد في الكتاب والسنة، وتوهم السامعين، مثلما ذكرت، فلا يتورعون عن إطلاق الحدود والغايات والأركان والأعضاء على الله تعالى إجمالاً، وهذا التشبيه انقرض وانتهى، أما المشبهة الأوائل الرافضة؛ فقد انقلبوا إلى معطلة وتحولوا إلى جهمية ومعتزلة مع بقائهم على مذهب الرفض، كما ذكرت في السابق.