[ثبوت كرامات الأولياء]
قوله: (ونؤمن بما جاء من كراماتهم، وصح عن الثقات من رواياتهم).
المعجزة في اللغة تعم كل خارق للعادة، وفي عرف أئمة أهل العلم المتقدمين وغيره، ويسمونها الآيات، ولكنْ كثير من المتأخرين يفرقون في اللفظ بينهما، فيجعلون المعجزة للنبي، والكرامة للولي، وجماعها: الأمر الخارق للعادة].
أقرب الأوصاف الشرعية لمعجزات الأنبياء أنها آيات أو دلالات، وقد ذكر الله عز وجل أنها آيات، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم بأنها آيات، وكلمة معجزة هي وصف للآيات وليست اسماً لها، فلذلك ينبغي أن يعبر عن المعجزة بالآية، ويقال: من أوصاف هذه الآيات أنها معجزة، ومن سمات الآيات أنها معجزة، فحصر الشيء ببعض وصفه فيه إضعاف للدلالة، هذا بالنسبة لمعجزات الأنبياء، والآيات التي تحدث من دون الأنبياء تسمى كرامات، إذا كانت على أيدي صالحين، وتسمى دجلاً ومخارق وخوارق إذا كانت على أيدي غير صالحين، ومع ذلك فالكرامات خارقة في وصفها اللغوي، لكن لا تسمى الآيات والمعجزات والخوارق كرامات، إلا إذا توافرت فيها صفات الكرامة، وإذا كانت الخوارق للأنبياء فهي آيات، ومن أوصافها أنها معجزة، وإذا ما توافرت في الأنبياء فلا تسمى معجزات، لكن تسمى آيات ودلائل؛ لأنها تلحق بدلائل النبوة.
فكرامات الأولياء تلحق بدلائل النبوة؛ لأن الأولياء الذين توافرت عندهم صفة الكرامة أتتهم الكرامة باتباعهم للنبي صلى الله عليه وسلم، وبتقواهم، وصارت كراماتهم امتداداً لآيات النبي صلى الله عليه وسلم، ودلائل نبوته.
قال رحمه الله تعالى: [فصفات الكمال ترجع إلى ثلاثة: العلم، والقدرة، والغنى، وهذه الثلاثة لا تصلح على الكمال إلا لله وحده].
يعني: هذه صفات الكمال التي يكون فيها الإعجاز، والتي تنبثق منها الآيات الكونية، أو آيات الأنبياء، فشيء يرجع إلى العلم، وشيء يرجع إلى القدرة، وشيء يرجع إلى الغنى.
قال رحمه الله تعالى: [وهذه الثلاثة لا تصلح على الكمال إلا لله وحده، فإنه الذي أحاط بكل شيء علماً، وهو على كل شيء قدير، وهو غني عن العالمين، ولهذا أُمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يبرأ من دعوى هذه الثلاثة، بقوله: {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [الأنعام:٥٠]، وكذلك قال نوح عليه الصلاة والسلام، فهذا أول أولي العزم، وأول رسول بعثه الله إلى الأرض، وهذا خاتم الرسل وخاتم أولي العزم، وكلاهما تبرأا من ذلك؛ وهذا لأنهم يطالبونهم تارة بعلم الغيب، كقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا} [الأعراف:١٨٨]].
الآن بدأ يفصل في مسألة الثلاثة: العلم، والقدرة، والغنى، وأن هذه هي التي يكون فيها الإعجاز، وهي التي لا تكون على وجه الكمال إلا لله عز وجل، بدأ يفصل فيها، فالأولى كمال العلم، ومن ذلك علم الغيب، وهذا لا يكون إلا لله.
قال رحمه الله تعالى: [وتارة بالتأثير].
الحديث عن التأثير يرجع إلى كمال القوة، التي لا تكون إلا لله عز وجل، أو كمال القدرة التي أشار إليها قبل قليل.
قال رحمه الله تعالى: [كقوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا} [الإسراء:٩٠].
وتارة يعيبون عليهم الحاجة البشرية].
هذا راجع إلى كمال الغنى الذي أشار إليه من قبل.
قال رحمه الله تعالى: [كقوله تعالى: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ} [الفرقان:٧].
فأمر الرسول أن يخبرهم بأنه لا يملك ذلك].
يعني: الرسول صلى الله عليه وسلم لا يملك كمال العلم، ولا كمال القدرة، ولا كمال الغنى، إلا ما منحه الله عز وجل.
قال رحمه الله تعالى: [وإنما ينال من تلك الثلاثة بقدر ما يعطيه الله، فيعلم ما علّمه الله إياه، ويقدر على ما أقدره عليه، ويستغني عما أغناه عنه من الأمور المخالفة للعادة المطردة، أو لعادة غالب الناس].
العادة المطردة المخالفة هي الآيات الكونية، والعادة المخالفة لعادة غالب الناس هذه ما دون العادات الكونية، مثل: كشف المجهول، والقدرة على ما يعجز عنه كثير من المخلوقين، أو جلب النفع، أو دفع الضر فيما لا يقدر عليه البعض ويقدر عليه الآخر، هذا مما يقدر عليه بعض المخلوقين، وكشف المجهول من دون الغيب، ليس هو الغيب؛ لأن الغيب لا يعلمه إلا الله عز وجل، لكن ما هو مجهول عنا تعلمه الملائكة، وكذلك ما هو مجهول عنا تعلمه الجن؛ لأن الجن ليس عليهم حجب في كثير من الأمور، وكذلك هناك أمور لا يقدر عليها البشر، يقدر عليها الملك، ويقدر عليها الجني، وهناك أمور أيضاً قد لا يستطيع أن ينفع بها الإنسي، لكن قد ينفع بها الجني وغيره، وهذه داخلة في خوارق العادات.
أما الأمور المخالفة للعادات المطردة فهي لا شك الآيات الكونية، مثل: شق القمر، مثل: حبس الشمس، هذه أمور تخرج عن قدرة جميع الخلق، وهناك أمور لا تخرج