للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[توهم التعارض ناشئ عن خلل في العقل أو ضعف في النقل]

القاعدة السابعة: أنه إذا توهم التعارض بين النقل والشرع؛ فهذا يعني بالضرورة أن في فهم العقل وإدراكه خللاً أو ضعفاً.

فالشارح يقول: [لكن إذا جاء ما يوهم من ذلك] أي: ما يوهم التعارض بين الشرع والعقل؛ [فإن كان النقل صحيحاً فذلك الذي يدعى أنه معقول إنما هو مجهول].

وهنا مسألة ما تطرقت لها، وهي أننا حينما نقول: الشرع نقصد الشرع الثابت، ولا نقصد الأحاديث الضعيفة أو الأحاديث الموضوعة أو نحوها مما لا يعتقد، لكن الشارح هنا احترز، فهو يقول: [فإن كان النقل صحيحاً] أي: إن كان آية أو حديثاً صحيحاً [فذلك الذي يدعى أنه معقول] أي: يدعي أنه معارضة من العقل، [إنما هو مجهول] أي: أنه جهل من العقل وعدم إدراك [ولو حقق النظر لظهر ذلك، وإن كان النقل غير صحيح فلا يصلح للمعارضة]، وهذا كلام سليم، فإذا كان الحديث ضعيفاً أو موضوعاً فلا يصلح أن نأتي به في هذه القضية ونقول هو يعارض العقل، فهنا ستكون دلالة العقل السليم هي الصحيحة.

فلا يتصور أن يتعارض عقل سليم ونقل صحيح أبداً، وليس هناك عقل في الدنيا سليم من العوارض؛ فلا يوجد العقل إلا مربوطاً بالبشر، والبشر ضعيف مهما كان.

إذاً: الفلاسفة الذين قالوا بتقديم العقل كانوا يتصورون للعقل وجوداً مطلقاً، وأحياناً يعبرون به عن الله عز وجل، ويعتبرون الشرائع من فعل الكهنة، فإذا حصل عندهم تعارض بين العقل وشرائع الكهنة قالوا بتقديم العقل؛ لأنهم يقصدون به شيئاً مقدساً لا يأتيه الباطل، وكأنهم يعبرون بذلك عن قدرة الله عز وجل، لكنهم أخطئوا الطريق، فالفلاسفة الذين جاءوا في الإسلام قلدوهم بدون بصيرة ولا روية، وأولئك أبخر منهم، فالذين قعدوا هذه القواعد لا يقصدون عقل الإنسان المحدود في هذا البشر، إنما يقصدون عقلاً مجرداً ليس له وجود إلا في أذهانهم ويفترضونه افتراضاً، وأحياناً يعبرون عن الملائكة بالعقول، وأحياناً يعبرون عن قدرة الله بالعقول، ففرق بين فهم العقل عند الفلاسفة وبين ما يجب أن يفهم في الإسلام، وبين فهم المتكلمين الذين قلدوا الفلاسفة.