جاء في اعتقاد أبي زرعة وأهل السنة والجماعة من قبله عدم تكفير أهل القبلة، والشيعة -كما نعلم- من أهل القبلة، فكيف ذهب بعض أهل السنة والجماعة إلى تكفير الشيعة؟
الجواب
كلمة (أهل القبلة) كلمة مشروطة بقواعدها وأصولها، ومشروطة بأصول الإسلام نفسه، فالرافضة يتوجهون إلى القبلة لكن بقلوب مشركة، فلا ينفعهم توجههم، وكانت طوائف من المشركين تتوجه إلى القبلة ولم ينفعهم ذلك، فليس المقصود بأهل القبلة من توجه إلى القبلة ليصلي، بل المقصود الذين تجمعهم القبلة على الإسلام، أما الرافضة فنظراً لأصولهم التي قالوا بها يخرجون من الإسلام ويبقى لهم الشعار، فهم يدعون الإسلام، ودعواهم بالنسبة لهم لا نستطيع أن نلغيها، لكن بالنسبة لنا نحكم بحكم الله، بالحكم الشرعي الذي أجمع عليه سلف الأمة، وهو أنهم ليسوا على الإسلام ما داموا يقولون بأصول الشيعة التي اتفقوا عليها، وهي قولهم بتكفير الصحابة وردتهم، ثم رفضهم للسنة التي رواها الصحابة رضي الله عنهم إلا ما يهوونه، حيث يأخذون بضعة أحاديث تناسبهم، مثل حديث غدير خم، والأحاديث المتعلقة بحقوق آل البيت، وحديث العترة ونحو ذلك، حتى لو رويت عمن يكفرونهم، وأكثرهم لا يأخذ حتى الروايات التي تناسبهم ما دامت عن الصحابة الذين كفروهم، وكذلك يقال: إنهم ليسوا على الإسلام ما داموا يقولون بعصمة الأئمة، فهذا كفر صراح، وما داموا يقولون بالتقية التي هي النفاق، وما داموا يقولون في أصول الدين التي أشرنا إليها بهذه المقولات الكفرية التي أقل ما فيها إنكار الرؤية، وإن كان بعضهم لا ينكر الرؤية، لكن يكفر بالأصول الأخرى، كقولهم بخلق القرآن ونحو ذلك.
وما داموا أيضاً يعتقدون المهدية على نحو ما يزعمون، وما دام إيمانهم بأشراط الساعة على نحو ما يزعمون، وكذلك سائر الأصول الأخرى التي لا يمكن تعدادها الآن، فكل واحد من أصولهم الكبرى التي خالفوا فيها السنة يقتضي التكفير، فكيف بمجملها وهي تزيد على اثني عشر أصلاً من الأصول الكبرى التي خالفوا فيها الإسلام؟! ناهيك عن قولهم في القرآن القول الشنيع، وناهيك عن قولهم في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجه عائشة رضي الله عنها، وناهيك عن قولهم في أهل السنة والجماعة وأئمة الهدى، وغير ذلك مما هو معروف عنهم.
وهم أكثر الطوائف جهلاً وأكثرهم كذباً وأكثرهم زندقة، وأضرهم على الإسلام في التاريخ، وأخطرهم على الأمة إلى قيام الساعة بإجماع أهل العلم المعتبرين، وهم أبعد الناس عن الحق وأكثرهم ضلالاً وأكثرهم اعتماداً على الكذب، وأكثرهم تكذيباً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثرهم تمادياً في التأويل الفاسد للقرآن الكريم، والباطنية ما دخلت إلا من خلالهم، وغلاة المتصوفة ما دخلوا إلا من خلالهم، وغلاة الفلاسفة ما دخلوا إلا من خلالهم، والزنادقة ما دخلوا إلا من خلالهم، بل النكبات الأخرى التي حدثت في تاريخ الإسلام كانت على أيديهم، فما دخل الصليبيون بلاد الإسلام إلا عندما حكم الرافضة العبيدية الفاطمية ديار المسلمين، وما دخل التتار بغداد إلا على أيديهم، وكانوا دائماً مع الكفار ضد المسلمين، ولا يعرف أن لهم معركة ضد الكفار حتى في الوقت الذي قامت لهم فيه دول، ولا معركة مع أهل البدع، بل معاركهم مع أهل السنة.
إذاً: فحكم أئمة الهدى على الرافضة لم يكن جزافاً، حتى وإن قالوا بأن أهل القبلة كلهم من المسلمين، فأهل القبلة يقصد بهم من ادعى الإسلام واتجه إلى القبلة وهو مستور الحال، أما من لم يكن مستور الحال -كالرافضة- فأعلن كفره فقد خرج من أهل القبلة.
وهم في ظاهرهم ما داموا لم يدعوا إلى بدعة ولم يعلنوا كفرهم يعاملون معاملة المنافقين، وإن كانوا بدءوا يرفعون رءوسهم، لكنهم إلى الآن يشعرون بالذلة ويتظاهرون للمسلمين بالمظهر العام، ويتأدبون ويتكلمون بكلام حسن، ويتوددون إلى الناس، ولا يدعون إلى بدعهم علناً، ولا يملكون الوسائل للدعوة إلى بدعهم في الغالب، وإن كانوا في مواطنهم الآن قد بدأت تظهر رائحتهم، وهذا شر، لكن مع ذلك أرى أنهم يعاملون معاملة المنافقين كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعاملون المنافقين، حتى إن بعضهم كان يعاملهم بهذه المعاملة ولا يعرف أنهم من المنافقين.
وقد رفعوا الآذان على طريقتهم، وهذه بدعة يجب أن ينبه لها المسئولون، وأن ينكر هذا المنكر، وقد أظهروها في بلادهم، ويجب على من حولهم من أهل السنة والجماعة أن يحاولوا أن يقمعوا هذه البدعة، ويناصحوا ويبلغوا المسئولين ويبلغوا المشايخ وطلاب العلم؛ لئلا يتمادوا في إظهار البدعة؛ لأنهم لن يقفوا عند مجرد إظهار الشعائر، فهم -كما قال السلف- شر من وطئ الحصى، هم شر الفرق على المسلمين، ولا يمكن أن يستريح الرافضي إذا وجد فرصة حتى يفسد بأي نوع من الفساد، هذه عقيدة عندهم، ولا نقول ذلك بمجرد توهماتنا أو بمجرد أحكام ظنية، أو بمجرد كلامهم، بل نتكلم عن أفعالهم وعقيدتهم التي يعتقدونها، وقد لا يفقه هذا كثير من عوامهم، وهذا أمر ينبغي أن يفهم، فعوامهم قد ل