للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تعليق ابن باز على ما قيل في تقدير الخبر في كلمة التوحيد]

وقبل أن نستكمل بقية الشرح يناسب أن نقرأ ما نقل هنا من تعليق الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى.

قال الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز حفظه الله تعليقاً على هذا الكلام من شرح الطحاوية: [ما قاله صاحب المنتخب ليس بجيد، وهكذا ما قاله النحاة وأيده الشيخ أبو عبد الله المرسي من تقدير الخبر بكلمة (في الوجود)، ليس بصحيح؛ لأن الآلهة المعبودة من دون الله كثيرة وموجودة، وتقدير الخبر بلفظ (في الوجود) لا يحصل به المقصود من بيان أحقية ألوهية الله سبحانه وبطلان ما سواها؛ لأن لقائل أن يقول: كيف تقولون: لا إله في الوجود إلا الله، وقد أخبر الله سبحانه عن وجود آلهة كثيرة للمشركين، كما في قوله سبحانه: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} [هود:١٠١]، وقوله سبحانه: {فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً} [الأحقاف:٢٨] الآية؟! فلا سبيل إلى التخلص من هذا الاعتراض، وبيان عظمة هذه الكلمة، وأنها كلمة التوحيد المبطلة لآلهة المشركين وعبادتهم من دون الله إلا بتقدير الخبر بغير ما ذكره النحاة، وهو كلمة (حق)؛ لأنها هي التي توضح بطلان جميع الآلهة وتبين أن الإله الحق والمعبود الحق هو الله وحده، كما نبه على ذلك جمع من أهل العلم، منهم: أبو العباس ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن القيم وآخرون رحمهم الله.

ومن أدلة ذلك قوله سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} [الحج:٦٢]، فأوضح سبحانه في هذه الآية أنه هو الحق، وأن ما دعاه الناس من دونه هو الباطل، فشمل ذلك جميع الآلهة المعبودة من دون الله من البشر والملائكة والجن وسائر المخلوقات.

واتضح بذلك أنه المعبود الحق وحده، ولهذا أنكر المشركون هذه الكلمة وامتنعوا من الإقرار بها؛ لعلمهم بأنها تبطل آلهتهم؛ لأنهم فهموا أن المراد بها نفي الألوهية بحق عن غير الله سبحانه؛ ولهذا قالوا جواباً لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم لما قال لهم: (قولوا لا إله إلا الله): {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:٥]، وقالوا أيضاً: {أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} [الصافات:٣٦].

وما في معنى ذلك من الآيات، وبهذا التقرير يزول جميع الإشكال ويتضح الحق المطلوب.

والله ولي التوفيق].

قال رحمه الله تعالى: [وليس المراد هنا ذكر الإعراب، بل المراد دفع الإشكال الوارد على النحاة في ذلك، وبيان أنه من جهة المعتزلة، وهو فاسد؛ فإن قولهم: في الوجود ليس تقييداً؛ لأن العدم ليس بشيء، قال تعالى: {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا} [مريم:٩]، ولا يقال: ليس قوله: (غيره)، كقوله: (إلا الله)؛ لأن (غير) تعرب بإعراب الاسم الواقع بعد (إلا)، فيكون التقدير للخبر فيهما واحداً، فلهذا ذكرت هذا الإشكال وجوابه هنا].