[هلاك مدعي النبوة دليل صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم]
قال رحمه الله تعالى: [ولا ريب أن الله تعالى قد رفع له ذكره، وأظهر دعوته والشهادة له بالنبوة على رءوس الأشهاد في سائر البلاد، ونحن لا ننكر أن كثيراً من الكذابين قام في الوجود، وظهرت له شوكة، ولكن لم يتم أمره، ولم تطل مدته، بل سلط الله عليه رسله وأتباعهم، فقطعوا دابره واستأصلوه، هذه سنة الله التي قد خلت من قبل، حتى إن الكفار يعلمون ذلك، قال تعالى:{أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ * قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ}[الطور:٣٠ - ٣١].
] من المعروف أن الله سبحانه وتعالى لا يمكن لمتنبئ كذاب في الأمة، وهذا ما حصل فعلاً، فإنه في تاريخ الإسلام ظهر مدعون كثر يدعون النبوة، لكن أمرهم كان ينتهي بالفشل، والناس الذين يغترون بهم ينقمون عليهم في نهاية المطاف ويحقدون عليهم، هذا أمر.
والأمر الآخر: أن كل الذين ادعوا النبوة في تاريخ الإسلام كانوا ينتهون بنهاية مؤلمة تدل على كذبهم، إما بقتل غيلة أو نحوه، ثم إن الذين ادعوا النبوة في التاريخ الإسلامي لم يبق لهم دين محترم، فالدين الحق هو الدين الظاهر، والذين كذبوا على الله تعالى انتقم منهم بأي نوع من أنواع الانتقام، بالفشل وبالنهاية المؤلمة وبعدم التمكين في الأرض وإن تمكنوا زمناً، فإنهم ينتهون في النهاية إلى أمر يدل على الفشل الذريع، والناس لا يستجيبون للمتنبئ الكذاب ولو اغتر به بعض الغوغاء بعض الوقت لعصبية أو لغيرها؛ لأنه قد يبيح لهم بعض الشهوات أو يخفف عنهم بعض الأعباء أو بعض العبادات ونحوها، فما من متنبئ كذاب إلا وانتهى أمره -بحمد الله- بما يدل على فشله وكذبه، فهذا من تمكين الله لهذا الدين، ودليل على صدق النبي صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء الكفار لو نظروا هذه النظرة لوجدوا في ذلك ما يدل على صدقه عليه الصلاة والسلام، فقد ظهر المتنبئ الكذاب من هذه الأمة، ومن الأمم الأخرى، فقد ادعى النبوة أناس من النصارى وفشلوا، وادعى النبوة أناس من اليهود وفشلوا، وادعاها أناس في هذه الأمة فلم يفلحوا، بل انتهى أمرهم إلى ما هو معروف.
قال رحمه الله تعالى: [أفلا تراه يخبر أن كماله وحكمته وقدرته تأبى أن يقر من تقول عليه بعض الأقاويل، بل لا بد أن يجعله عبرة لعباده كما جرت بذلك سنته في المتقولين عليه.
وقال تعالى:{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ}[الشورى:٢٤]، وهنا انتهى جواب الشرط، ثم أخبر خبراً جازماً غير معلق أنه يمحو الباطل ويحق الحق.
وقال تعالى:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ}[الأنعام:٩١]، فأخبر سبحانه أن من نفى عنه الإرسال والكلام لم يقدره حق قدره].
انتهى الشارح إلى خلاصة، وهي: أن جميع العقلاء في الأرض يفرّقون بين مدعي النبوة كذباً، وبين النبي الصادق بأنواع من القرائن، حتى لو لم تأتهم معجزات أو لم يدركوا معنى المعجزة، مع أن الله تعالى حفظ لهذه الأمة ولنبينا صلى الله عليه وسلم معجزة القرآن ومعجزات أخرى، وهي نبوءاته صلى الله عليه وسلم الباقية إلى قيام الساعة، التي هي إخباره بما سيحدث، فمنها ما حدث وكان دليلاً قاطعاً على صدقه عليه الصلاة والسلام، ومنها ما ينتظر، ولا تزال الأمة ترى ما يصدق أخباره صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة، وهذا مما تقوم به الحجة، وهو من القرائن.
ومن القرائن ما ذكره، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم توافر له من الأدلة ما يدل على صدقه، أي: الأدلة العقلية والبرهانية والأدلة التاريخية التي هي واقع هذه الأمة ودينها المحفوظ، فلا يسع أحداً من الكفار الذين يسمعون عن النبي صلى الله عليه وسلم ويسمعون عن الإسلام ويسمعون عن هذه الأمة إلا أن يصدقوا إن استعملوا عقولهم مجردة من الهوى، لكن الناس تحجبهم عن الحق أهواؤهم، وتحجبهم عن الحق رغباتهم وشهواتهم وأمور أخرى من نوازع البشر التي تحجبهم عن الهدى، ومن لم يهده الله فلا هادي له.