للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفرق بين توحيد الإثبات والمعرفة وتوحيد القصد والطلب]

قد يرد تساؤل: ما الفرق الدقيق بين التوحيدين: توحيد الطلب والقصد، والمعرفة والإثبات؟ وأقول: إن الفارق من خلال تعبير الشارح هنا وتعبير أئمة الدين أهل العلم في مفهوم كل واحد منهما، فتوحيد المعرفة والإثبات توحيد يرد على الإنسان من خارج ذاته، يرد بدلائل العقل ودلائل الفطرة وشواهد الكون، وآيات الله المنزلة، وكلام الله الوحي المنزل، وغير ذلك من الأمور، بمعنى: أن توحيد المعرفة هو ما يرد على الإنسان مما يدله على معرفة الله، فهو توحيد قصري فطري، لا ينفك عنه أحد من المخلوقات العاقل منها وغير العاقل، لكن قد ينكره بعض العقلاء الذين تنتكس فطرهم وعقولهم جحوداً، وإلا فالأدلة واردة بشتى وسائل الإثبات.

وأما توحيد الطلب والقصد فهو التوحيد الصادر من العقل، فالأول وارد إليه، وهو المعرفة التي ترد، ومصادر المعرفة التي ترد إلى ذهنه وإلى سمعه وإلى بصره وإلى فطرته وإلى عقله، فذاك يسمى توحيد المعرفة والإثبات.

وأما توحيد الطلب والقصد فهو ما يصدر من الإنسان ابتداء من التأله لله سبحانه وتعالى، والخوف والرجاء منه، والحب له سبحانه، وانجذاب القلب إليه انجذاب التأله، لذلك نجد أن أعظم أسماء الله تعالى وأجمعها كلمة الجلالة (الله)؛ لأنها تجذب القلب لله سبحانه وتعالى بكل معاني الجذب، وتجذب الإنسان المتأله لله تعالى بقلبه وأعماله وجوارحه بكل معاني الجذب.

فلذلك نجد أن هذا اللفظ لا يشترك فيه الخالق والمخلوق، إنما هو لفظ خالص، فلا يسمى (الله) إلا الله سبحانه وتعالى، أما بقية الأسماء فمنها ما يكون مشتركاً، فإذا أطلقت على المخلوق فهي له بحسب ضعفه، وإذا أطلقت على الخالق فهي له سبحانه بحسب كماله، كالعلم، فالإنسان عنده علم، لكنه علم محدود، علم ضعيف تعتريه كل جوانب الضعف، وإذا أطلق على الله سبحانه وتعالى فهو العلم الكامل، لكن كلمة الجلالة (الله) لا يمكن أن تنطبق على غير الله أبداً، فلذلك نجد أنها تجمع معاني انجذاب الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى، وهذا معنى توحيد القصد والطلب، بمعنى أن الإنسان ينجذب إلى الله تألهاً، ثم بعد ذلك بعمله وجوارحه، فالإنسان عندما يسعى في هذه الدنيا ويحتسب سعيه إلى الله فإنه يطلب المثوبة من الله تعالى.

إذاً: فهو الطالب المؤله لله، وإذا قام بالفرائض وأمور الدين وقام بالجهاد وقام بما أمر الله به من الأعمال فإنما يقصد وجه الله سبحانه، إذاً: فتوحيد الإلهية توحيد القصد، أي: قصد العبد لله وانجذاب العبد إلى الله سبحانه وتعالى الانجذاب الحقيقي الذي يجعله يؤله الله في قلبه وفي عمله تأليه تسليم ورضا وتصديق واتباع.