مضى على عصر ابن تيمية أربعة قرون تقريباً، ولم تخل هذه القرون الأربعة من داعية للحق قائم بعقيدة أهل السنة والجماعة، ولكن حدثاً وقع في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري كان له الأثر الكبير في انتشار عقيدة أهل السنة والجماعة والالتزام بمنهجهم في الفهم والتطبيق، ذلكم هو قيام الدولة السعودية في جزيرة العرب مناصرة للدعوة الإصلاحية التي نادى بها الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، والتي تدعو الناس إلى العودة إلى كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والالتزام بما كان عليه سلف الأمة الصالح وتطبيق شريعة الله جل وعلا.
لقد تهيأ لهذه الدعوة من أسباب التمكين ما لم يتهيأ لدعوات كثيرة قبلها وبعدها، وهذا من فضل الله، تهيأ لها سبب الدولة أو السلطة، وبهذا السبب الذي هيأه الله تعالى قويت الدعوة وتمكنت وانتصرت في عهد مؤسس الدولة السعودية الأولى الإمام المجاهد محمد بن سعود رحمه الله، ومن جاء بعده من بنيه وأحفاده حتى مطلع القرن الرابع عشر الهجري، حيث قام الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله بما يجب القيام به تجاه عقيدة أهل السنة والجماعة وإلزام الناس بتطبيق شريعة الله والحكم بينهم بموجبها.
يقول المشايخ محمد بن عبد اللطيف وسعد بن حمد بن عتيق وعبد الله بن عبد العزيز العنقري وعمر بن محمد بن سليم ومحمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف رحمهم الله: ثم لما وقع الخلل من كثير من الناس من عدم القيام بشكر هذه النعمة ورعايتها ابتلوا بوقوع التفرق والاختلاف وتسلط الأعداء والرجوع إلى كثير من عوائدهم، حتى مَنَّ الله في آخر هذا الزمان بظهور الإِمام عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل أيده الله ووفقه، وما مَنَّ الله به في ولايته من انتشار هذه الدعوة الإسلامية والملة الحنيفية، وقمع من خالفها وإقبال كثير من البادية والحاضرة على هذا الدين، وترك عوائدهم الباطلة، وكذلك ما حصل بسببه من هدم القباب ومحو معاهد الشرك والبدع وردع أهل المعاصي والمخالفات، وإقامة دين الله في الحرمين الشريفين زادهما الله تعالى تشريفاً وتكريماً].