[التحذير من الإصغاء للقدرية وغيرهم من أهل الأهواء]
والإنسان الذي ليس عنده فطرة قوية أو علم يعصمه من هذه الشبهات إن لم يجد الرد عليها فمن الممكن أن تقع في نفسه، فلذلك نجد السلف يحذرون من سماع أهل الأهواء؛ لأنهم يخشون على المجتمع من مثل هذه الشبهات التي تقع في الخلق، إذا لم تجد إيماناً راسخاً وعلماً وفقهاً في الدين، فإن الإنسان قد يزل ويضل بمثل هذه الشبهة ولا يدري أنها شبهة، قد يتلقفها قلبه ولا يشعر أنها خطأ، فلذلك القدرية الأوائل حينما رد عليهم السلف رجع كثير منهم، والذي لم يرجع صار أشبه بالمريض، فأصبح هذا الأمر وسواساً عنده؛ لأنه عرف الحق ثم رجع عنه؛ لأنه استقرت في قلبه الشبهة، نسأل الله العافية.
ولذلك أقول: إن السلف فعلاً شددوا في مسألة عدم السماع من أهل الأهواء، وعدم قراءة كتب أهل الأهواء وإن اشتملت على الحق، فقد يوجد فيها شيء من الحق، لكن الحق الذي في الكتاب والسنة وكتب السلف النقية يغني عن الحق الذي يلتبس بالباطل، فلذلك ينبغي أن تبقى هذه القاعدة إلى يومنا هذا، بل نحن أحوج إليها، وهو أن لا نسمع الشبهات ولا نقرأها، ولا نقرأ كتب أهل الأهواء والبدع مهما زخرفت، وأن لا نعرض أجيال المسلمين لها، سواء كانت أهواء قديمة أم جديدة، والغالب أن شبهات الأهواء تفتن وتستهوي الناس؛ لأنها إن كانت فلسفية ففيها من التشدق ما يستهوي الفكر ويستهوي عقل الإنسان، وإن كانت مادية فهي تدغدغ عواطف الناس واهتماماتهم، فمن هنا تصرفهم عن الحق بهذه المداخل الباطلة، وإلا فلو لم يكن التلبيس لما كان لأهل الأهواء صولة، ولما كانوا في جملتهم أكثر من أهل السنة والجماعة، فالباطل المحض قليل من يرتكبه، فمن هنا تجد إشكالات التلبيس، بمعنى أنها موهمة، وإذا جردت عن الرد عليها فربما تؤثر فيمن ليس لديه فقه في الدين أو معرفة بأمثال هؤلاء، فلذلك يجب أن يحذر طلاب العلم من التعرض للشبهات، لا بقراءة ولا بسماع ولا باختلاط بأهلها.