[إثبات الفوقية والعلو في كلام السلف رحمهم الله تعالى]
قال رحمه الله تعالى: [وكلام السلف في إثبات صفة العلو كثير جداً، فمنه: ما روى شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري في كتابه الفاروق، بسنده إلى أبي مطيع البلخي: أنه سأل أبا حنيفة عمن قال: لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض؟ فقال: قد كفر؛ لأن الله يقول:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه:٥] وعرشه فوق سبع سماوات، قلت: فإن قال: إنه على العرش، ولكن يقول: لا أدري العرش في السماء أم في الأرض؟ قال: هو كافر؛ لأنه أنكر أنه في السماء، فمن أنكر أنه في السماء فقد كفر.
وزاد غيره: لأن الله في أعلى عليين، وهو يدعى من أعلى، لا من أسفل.
انتهى.
ولا يلتفت إلى من أنكر ذلك ممن ينتسب إلى مذهب أبي حنيفة، فقد انتسب إليه طوائف معتزلة وغيرهم، مخالفون له في كثير من اعتقاداته، وقد ينتسب إلى مالك والشافعي وأحمد من يخالفهم في بعض اعتقاداتهم، وقصة أبي يوسف في استتابة بشر المريسي لما أنكر أن يكون الله عز وجل فوق العرش مشهورة، رواها عبد الرحمن بن أبي حاتم وغيره].
الملاحظ في التاريخ أن أصحاب مذاهب الكلام كان كثير منهم على مذهب أبي حنيفة في الفروع، كمشاهير الجهمية المنتسبين ومشاهير المعتزلة، كما أن كثيراً من المتكلمين كانوا بين شافعية وأحناف، وهذا لا يضر بأصول المذاهب نفسها، لكن هذا من باب العلم بالواقع، وإلا فالأئمة الأربعة كلهم على مذهب أهل السنة والجماعة، وأوائل تلاميذهم كذلك، لكن إذا أرادنا أن نؤرخ لدخول المذاهب الكلامية على المذاهب فسنجد أن الأحناف هم أول من تأثر بمذاهب الجهمية، وأن الشافعية وجد في أوائلهم من دخل في مذاهب الكلابية الذي هو أصل مذهب الأشاعرة والماتريدية، ثم بعد ذلك انتشرت المذاهب الكلامية في جميع المذاهب في بعض المالكية ثم في بعض الحنابلة.