للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اعتقاد الصلاة على من مات من أهل القبلة سوى من استثني]

وقوله: (وعلى من مات منهم) أي: ونرى الصلاة على من مات من الأبرار والفجار].

يعني: من أهل القبلة من المسلمين، فيخرج بذلك الكفار الخلص، وقد يسمون فجاراً، فالمقصود أن أهل القبلة أبراراً كانوا أو فجاراً يجب أن يصلى عليهم وتشهد جنائزهم ويدفنوا في مقابر المسلمين.

قال رحمه الله تعالى: [وإن كان يستثنى من هذا العموم البغاة وقطاع الطريق، وكذا قاتل نفسه].

هذه فيها خلاف؛ فبعض أهل العلم قالوا: قد يكون أهل البدع المكفرة متأولة، وكذلك قطاع الطريق قد يكونون من الجهلة أو نحو ذلك، فهؤلاء يصلى عليهم، وبعضهم يرى عدم الصلاة، والمسألة خلافية.

قال رحمه الله تعالى: [خلافاً لـ أبي يوسف، لا الشهيد خلافاً لـ مالك، والشافعي رحمهما الله على ما عرف في موضعه.

لكن الشيخ إنما ساق هذا لبيان أنا لا نترك الصلاة على من مات من أهل البدع والفجور، لا للعموم الكلي.

ولكن المظهرون للإسلام قسمان: إما مؤمن، وإما منافق.

فمن علم نفاقه لم تجز الصلاة عليه والاستغفار له، ومن لم يعلم ذلك منه صلي عليه، فإذا علم شخصٌ نفاق شخص لم يصل هو عليه، وصلى عليه من لم يعلم نفاقه].

لذلك ينبغي التنبيه على مسألة كثيراً ما يرد عنها السؤال، وهي أنه إذا كان إنسان يعرف أن أحد المسلمين عمل عملاً يخرجه من الملة، يعني: يعرف أنه منافق خالص في النفاق، فهل يجوز له أن يعلن للناس أنه لا تجوز الصلاة خلفه؟ والصحيح: أنه ما دام مستور الحال فلا يجوز له الصلاة خلفه، ويجب ألا يتكلم، بل يترك الأمر على ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله وكان الصحابة يفعلونه، فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا علم نفاقاً في أحد تركه، ولم يقل للناس: لا تصلوا عليه.

أقول هذا لأنه كثيراً ما ترد أسئلة في هذا الموضوع، حيث يقول المرء: أنا أعرف أن فلاناً الميت فيه كذا وكذا، كأن يكون -مثلاً- تاركاً للصلاة بالكلية، أو نحو هذا، فهل أقول للناس: لا تصلوا عليه؟ أقول: لا؛ بل نسكت عنه ما دام أن الناس لا يعرفون حاله، فدع الأمر على ما هو عليه، فيصلي عليه على أساس أنهم يجهلون حاله، وأنت ما دمت تعرفه لا تصل عليه، وإذا قال لك أحد ممن لا يعرفه: ما رأيك؟ تقول: أرى أنك لا تصلي عليه، مع أنه هذه المسألة مسألة خلافية، لكن أن تعلن أو أن تشهد أو أن تقول للناس: لا تصلوا عليه؛ فهذا لا يجوز، ولا ينبغي، وهو خلاف السنة.

قال رحمه الله تعالى: [وكان عمر رضي الله عنه لا يصلي على من لم يصل عليه حذيفة؛ لأنه كان في غزوة تبوك قد عرف المنافقين، وقد نهى الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على المنافقين، وأخبر أنه لا يغفر لهم باستغفاره، وعلل ذلك بكفرهم بالله ورسوله، فمن كان مؤمناً بالله ورسوله لم ينه عن الصلاة عليه، ولو كان له من الذنوب الاعتقادية البدعية أو العملية الفجورية ما له، بل قد أمره الله تعالى بالاستغفار للمؤمنين، فقال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد:١٩].

فأمره سبحانه بالتوحيد والاستغفار لنفسه وللمؤمنين والمؤمنات، فالتوحيد أصل الدين، والاستغفار له وللمؤمنين كماله، فالدعاء لهم بالمغفرة والرحمة وسائر الخيرات إما واجب وإما مستحب، وهو على نوعين: عام وخاص، أما العام فظاهر، كما في هذه الآية، وأما الدعاء الخاص فالصلاة على الميت، فما من مؤمن يموت إلا وقد أمر المؤمنون أن يصلوا عليه صلاة الجنازة، وهم مأمورون في صلاتهم عليه أن يدعوا له، كما روى أبو داود، وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء)].