[ذكر الأدلة على انتفاع الميت بغير ما تسبب فيه]
[والدليل على انتفاع الميت بغير ما تسبب فيه: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس الصحيح.
أما الكتاب، فقال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر:١٠] فأثنى عليهم باستغفارهم للمؤمنين قبلهم، فدل على انتفاعهم باستغفار الأحياء، وقد دل على انتفاع الميت بالدعاء إجماع الأمة على الدعاء له في صلاة الجنازة، والأدعية التي وردت بها السنة في صلاة الجنازة مستفيضة وكذا الدعاء له بعد الدفن، ففي سنن أبي داود من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت؛ فإنه الآن يسأل).
وكذلك الدعاء لهم عند زيارة قبورهم، كما في صحيح مسلم من حديث بريدة بن الحصيب قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية).
وفي صحيحه أيضاً عن عائشة رضي الله عنها: (سألت النبي صلى الله عليه وسلم: كيف أقول إذا استغفرت لأهل القبور؟ قال: قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون).
وأما وصول ثواب الصدقة، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: (أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن أمي افتلتت نفسها ولم توص، وأظنها لو تكلمت تصدقت، أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: نعم).
وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (أن سعد بن عبادة توفيت أمه وهو غائب عنها، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن أمي توفيت وأنا غائب عنها فهل ينفعها إن تصدقت عنها؟ قال: نعم، قال: فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عنها)، وأمثال ذلك كثيرة في السنة.
وأما وصول ثواب الصوم، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه)، وله نظائر في الصحيح، ولكن أبو حنيفة رحمه الله قال بالإطعام عن الميت دون الصيام عنه؛ لحديث ابن عباس المتقدم، والكلام على ذلك معروف في كتب الفروع].
الحديث صريح ولا اجتهاد مع النص، في أنه يجوز الصيام بل يشرع الصيام عمن مات وعليه صوم.
وكنت أريد أن أشير إلى أن حديث ابن عباس السابق الصحيح فيه أنه موقوف على ابن عباس وهو قوله: (لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد، ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مداً من حنطة) حسب ما قال المحقق: إنه موقوف على ابن عباس.
قال رحمه الله تعالى: [وأما وصول ثواب الحج، ففي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: نعم حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء)، ونظائره أيضاً كثيرة.
واجتمع المسلمون على أن قضاء الدين يسقطه من ذمة الميت، ولو كان من أجنبي ومن غير تركته، وقد دل على ذلك حديث أبي قتادة حيث ضمن الدينارين عن الميت، فلما قضاهما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الآن بردت عليه جلدته)، وكل ذلك جار على قواعد الشرع، وهو محض القياس، فإن الثواب حق العامل، فإذا وهبه لأخيه المسلم لم يمنع من ذلك، كما لم يمنع من هبة ماله له في حياته، وإبرائه له منه بعد وفاته.
وقد نبه الشارع بوصول ثواب الصوم على وصول ثواب القراءة ونحوها من العبادات البدنية، يوضحه أن الصوم كف النفس عن المفطرات بالنية، وقد نص الشارع على وصول ثوابه إلى الميت، فكيف بالقراءة التي هي عمل ونية؟].
قوله: (وقد نبه الشارع بوصول ثواب الصوم على وصول ثواب القراءة) هذا من باب القياس، والقياس في الأمور التوقيفية لا يصح؛ لأن أمور العقيدة توقيفية، هذا ليس من باب الأحكام المجردة، هذا من باب الأمور الغيبية والأمور التوقيفية، فإذا نبه الشارع بوصول ثواب الصوم، فلا يدل ذلك على وصول ثواب غيره من الأعمال إلا بدليل آخر، وإلا لو أخذنا بهذه القاعدة لفتحنا باب العمل للميت من كل وجه، بما في ذلك قراءة القرآن عند القبور، وبما في ذلك الصلاة، والكثير من الأعمال التي يعملها أهل البدع، وهذا فيه نظر.
إذاً: لا يصح القياس في أمور العقيدة والأمور الغيبية أبداً، وإنما يصح القياس في أمور الأح