للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[استحلال المحرم من حقوق الآخرين نتيجة حتمية للتكفير]

ومن آثار التكفير الاستحلال، كاستحلال الغيبة أحياناً، واستحلال القدح في المخالف وإن كان من المسلمين إلى حد التبديع والتكفير والإخراج من الملة أو دون ذلك، واستحلال الوسائل غير المشروعة، واستعمال المكائد التي فيها غدر وخيانة، أو استحلال الأساليب التي فيها سوء أدب، فقد تجد وإن كان -بحمد الله- ليس كثيراً، وقد وجد في بعض البلاد، ومثاله: أن يأتي طالب علم له رأيه في قضية من القضايا فيصعد على المنبر أو في قاعة من القاعات أو في مكان من الأمكنة ليقرر أمراً من أمور الدين، فتجد أصحاب هذا التوجه الذين عندهم شدة يعملون عملاً ليس من الأدب تجاه هذا المخالف، فإما أن يخرجوا كلهم من المسجد، أو يغيروا جلستهم بحيث يجعلون اتجاههم عكس اتجاهه فيعطونه ظهورهم، وهذا نوع من الاستفزاز والنكاية بهذا المخالف لأنه يخالفهم، وهذه العلامات من سمات الخوارج.

أقول: مثل هذه الأساليب لا يفعلها إلا أحد اثنين: إما جاهل، وهذا يجب أن يعلم، وإما صاحب هوى، فإذا لم يصحح عمله ولم يوجد من طلاب العلم من يبين له أن هذا غلط فستتجارى به الأهواء وربما يصل إلى التكفير، والله أعلم.

وأعظم من ذلك استباحة الأعمال التي تعد من الفساد في الأرض، كاستباحة التفجيرات، والإحراق، والنسف، والنكاية بالآخرين إلى حد يتلف النفوس، أو إلى حد يخل بالأمن، أو إلى حد يوقع المؤمنين ويوقع أهل الخير في فرقة، أو إلى حد يستعدي الأشرار على الأخيار؛ لأن الأشرار لا يميزون، فمن كان متديناً وفعل شيئاً حسب أن فعله من الدين.

إذاً: ألا يجب الأخذ على يد السفيه ممن ينتسب للتدين؟! لا سيما أن مثل هذه الأفعال خطير على الدين وعلى المسلمين أعظم من خطر الكثير من أفعال الكفار أنفسهم، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم ما أمر بقتل أحد من أهل الأهواء غير الخوارج؛ لأن عملهم يؤدي إلى الفساد في الأرض، ويؤدي إلى الإخلال بالأمن؛ ولأنهم يستحلون دماء المسلمين، ويستحلون النكاية بالمخالف بكل وسيلة، ونزعات التكفير تؤدي إلى هذا حتى لو لم تصل إلى التكفير، فبعض الناس يقول: هذه مجرد عواطف، أو مجرد وجهة نظر أو اجتهادات خاطئة أو جهل، ونقول: هذه مصيبة أن نترك هذه العواطف وهذا الجهل وهذه الاجتهادات الخاطئة ولا نعالجها بكل وسيلة، ولو بإعلان مثل هذه الأمور، إذا عسر العلاج بالستر بين المسلمين، فإذا عسر العلاج بالستر فلابد من إعلانها لا سيما أن الأمر قد وقع فيه الفأس على الرأس، فلا بد لطلاب العلم من أن يعالجوا مسألة نزعات التكفير، وسمات التكفير والظواهر والآراء والمواقف التي تؤدي إلى التكفير في النهاية، ومن ضمنها هذه الأساليب التي ذكرتها.

وقد يقول قائل: إن من علاج التكفير أو من تفادي وقوع التكفير إنكار المنكرات، وهذا حق يجب أن يقال؛ لأن من أسباب ظهور التكفير كثرة المنكرات، فنجد شباباً حدثاء الأسنان ما عندهم فقه، وما عندهم تجربة، وليس لهم صلة بالمشايخ الذين يرشدونهم يرون منكرات كثيرة في المجتمعات الإسلامية، ويرون الضيم على المسلمين في كل مكان، فلا يعرفون كيف يعالجون هذه الأمور على القواعد الشرعية، فيقعون في الأحكام الشديدة والتكفير، فيجب إنكار المنكرات، ويجب النصح للمسلمين، لكن لا يعني هذا عدم الأخذ بأسباب العلاج الأخرى من التحذير من التكفير، وتعليم الناس قواعد الشرع، وإرجاع الأمور إلى أصولها الشرعية، وكشف من يصر على التكفير إذا كان ممن يتصف بالخير، خاصة إذا صرح، فهذا كله من الأسباب.