قال رحمه الله تعالى: [ولا شك أن الله قد حرم القول عليه بغير علم، قال تعالى:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}[الأعراف:٣٣]، وقال تعالى:{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}[الإسراء:٣٦]، فعلى العبد أن يجعل ما بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه هو الحق الذي يجب اتباعه، فيصدق بأنه حق وصدق، وما سواه من كلام سائر الناس يعرض عليه، فإن وافقه فهو حق، وإن خالفه فهو باطل، وإن لم يعلم هل خالفه أو وافقه لكون ذلك الكلام مجملاً لا يعرف مراد صاحبه، أو قد عرف مراده لكن لم يعرف هل جاء الرسول بتصديقه أو بتكذيبه؛ فإنه يمسك عنه، ولا يتكلم إلا بعلم، والعلم ما قام عليه الدليل، والنافع منه ما جاء به الرسول.
وقد يكون علم عن غير الرسول، لكن في الأمور الدنيوية، مثل الطب والحساب والفلاحة، وأما الأمور الإلهية والمعارف الدينية؛ فهذه العلم فيها ما أخذ عن الرسول لا غير].
في هذا المقطع قرر قاعدة من قواعد الفقه في الدين، وهي قاعدة عظيمة، وتشمل عدة مسائل: المسألة الأولى: تحريم القول على الله بغير علم، وهذا يعني: أن من تكلم في أصول الدين وفي مسائل الحلال والحرام وفي الأمور الشرعية فإنه قائل على الله، فإن كان كلامه عن علم وعن دليل وافق الحق وأصاب، وإن كان كلامه عن غير علم ولا دليل فقد أخطأ في قوله وإن أصاب أو وافق الحق، فحينما يوافق الحق تخرصاً لا ينفعه ذلك، فهو قول على الله بغير علم، ولا يجوز القول على الله بغير في مسائل الدين ولا في غيرها، لكن مسائل الدين هي مقصوده هنا، فلا يجوز القول بأن هذا حق أو باطل، أو بأن هذا حلال أو حرام، أو بأن هذه هي العقيدة أو بأن هذا مراد الله إلا بعلم.
ومن وسائل العلم بالنسبة للمسلم: أن يعرف الدليل ووجه الاستدلال.
ومن ذلك: أن يكون الأمر مما هو معلوم من الدين بالضرورة، كتحريم الكذب مثلاً وتحريم الزنا وتحريم الربا ونحو ذلك، فهذا كله معلوم من الدين بالضرورة، حتى لو لم يستحضر الإنسان الدليل؛ لأنه نقل بالإجماع والتواتر.
ومن ذلك نقله عن إمام هدى وعالم يقتدى به، فلا مانع من أن يقول: قال العالم أو قال الشيخ، فمن هنا تبرأ الذمة ويسلم الإنسان من القول على الله بغير علم.
أما بغير هذا فإنه إذا قال في مسألة من الأمور الشرعية: إن الله أراد كذا أو حرم كذا أو أحل كذا، أو هذا هو الحق دون أن يكون صادراً عن الدليل مع فهم الدليل، أو عما هو معلوم بالضرورة، أو عن قدوة؛ فإنه بذلك يخطئ.