[بيان ما يحمل عليه تبديع الإمام أحمد للكرابيسي رحمهما الله تعالى]
السؤال
كيف يبدع الإمام أحمد الكرابيسي ونترحم عليه؟
الجواب
هذه المعضلة قد ترد كثيراً عندما نتأمل أمور السلف، وعلى أي حال فنحن عندنا موازين شرعية عن السلف أنفسهم، هذه الموازين هي أن نزن الرجال بمجموع أعمالهم وأقوالهم، وبما مات عليه الشخص منهم، فالمعاصرون للشخص الذي تكلم ببدعة قد يكون لهم منه موقف شديد وصعب، كموقف الإمام أحمد من بعض السلف الذين قالوا ببدع جزئية، وكذلك غير الإمام أحمد من الأئمة الذين وقفوا موقفاً فيه نوع من الهجر أو السب أو التحذير من الشخص، فهذا المقصود بذلك سد الذرائع، والمقصود به محاصرة البدعة لئلا تنتشر، خاصة إذا خرجت من شخص ينسب للسنة، فكانوا يشددون عليه ويهجرونه إذا أصر على قوله، لكن لا يعني هذا بالضرورة أنهم يكفرونه أو أنهم يحجرون على الآخرين أن يكون لهم رأي آخر فيه، فلو قرأتم -مثلاً- أقوال المترجمين للرجال -كـ الذهبي وغيره- لوجدتم أنهم يحكمون على مثل هؤلاء الذين تكلم عنهم السلف وهم ليسوا من أصحاب البدع الأصليين بتوازن، فينقلون ما قال فيهم النقاد وما قال فيهم المزكون، ثم يخرجون بنتيجة، فنحن لا نلغي موقف الإمام أحمد رحمه الله، لكننا نفسره، ولا شك في أن الكرابيسي ليس بصاحب بدعة مغلظة في غير هذه المسألة التي جرت بينه وبين الإمام أحمد، وهي قوله: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو في بقية أمور السنة يعتبر من أنصار السنة ومن الذين نافحوا عن السنة ودافعوا عنها وقرروها وكتبوا فيها، إلا في هذه المسألة، فالإمام أحمد معذور في وقفته ضده فيها خشية أن تنتشر فتفضي إلى القول بأن القرآن مخلوق إذا تساهل الإمام أحمد فيها وفيمن قالها.
فهذه المواقف مواقف فردية جزئية، لا تلغي اعتبار الشخص في الجوانب الأخرى، وأمثالها في التاريخ كثير عند أئمة السلف ورواة الحديث وأئمة الهدى، خاصة في المتعاصرين والأقران، حيث يحدث بينهم من الكلام ما يكون لهم عذر فيه لكونه لحماية الدين وسد الذريعة، وهذا يحدث في كل زمان، فوطنوا أنفسكم على حدوث مثله في زمانكم.