[الخلفاء الأربعة هم الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون]
قوله: (وهم الخلفاء الراشدون، والأئمة المهديون).
تقدم الحديث الثابت في السنن، وصححه الترمذي عن العرباض بن سارية قال: (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله، كأن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ فقال: أوصيكم بالسمع والطاعة، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة).
وترتيب الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين في الفضل، كترتيبهم في الخلافة.
ولـ أبي بكر وعمر رضي الله عنهما من المزية أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا باتباع سنة الخلفاء الراشدين، ولم يأمرنا في الاقتداء في الأفعال إلا بـ أبي بكر وعمر، فقال: (اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر)، وفرق بين اتباع سنتهم والاقتداء بهم، فحال أبي بكر وعمر فوق حال عثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين].
يعني: أن الفارق بين الاقتداء وبين الاتباع، أن الاتباع يكون باتباع المناهج والسنن التي لها أصل في الشرع، فنتبع الخلفاء الراشدين في الأمور التي لم يكن فيها خلاف، أو فيما ينظم أحوال الأمة، مما نسميه الآن: المناهج، سواء مناهج تقرير الدين، أو مناهج الدفاع عن الدين، أو مناهج حماية الأمة من البدعة، أو مناهج التعامل مع غير المسلمين وغير أهل السنة، أو مناهج أحكام أهل الذمة ونحوها، فهذه تسمى مناهج غالباً يكون الحال فيها ما اتفق عليه أهل السنة والجماعة، حتى بعد الخلفاء الراشدين، لكن الخلفاء الراشدون تميزوا؛ لأنهم كانوا في عهد أكابر الصحابة، فكانوا إذا وافقوهم على شيء أو أقروهم على أمر صار إجماعاً، أما الاقتداء فهو في الأحوال الخاصة التي تحدث من الخليفة أو نحوها، ولا شك أن الخلفاء الأربعة كلهم في أحوالهم الخاصة أهل قدوة، لكن حدث في عهد عثمان وفي عهد علي من الفتن ما يجعل التصرفات أحياناً تكون للضرورات وليست للأحكام العامة والمناهج، فـ علي رضي الله عنه تصرف تصرفاً ضرورياً تجاه الفتنة ما يلزم الاقتداء به فيه، وكذلك عثمان رضي الله عنه في مواجهته للفتنة في آخر أمره تصرف تصرفاً ضرورياً لا يلزم الاقتداء به فيه؛ لأنه لجأ إلى كثير من أموره ضرورة.
فعلى هذا هناك فرق بين الاقتداء وبين اتباع السنة.
قال رحمه الله تعالى: [وقد روي عن أبي حنيفة تقديم علي على عثمان، ولكن ظاهر مذهبه تقديم عثمان، وعلى هذا عامة أهل السنة.
وقد تقدم قول عبد الرحمن بن عوف لـ علي رضي الله عنهما: إني قد نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بـ عثمان.
وقال أيوب السختياني: من لم يقدم عثمان على علي فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار].
في عهد متأخري الصحابة وأوائل التابعين استقر الأمر، ولم يعد هناك شك عند السلف في ترتيب الخلفاء على ما ذكر، وأن عثمان أفضل من علي، ولذلك من خالف من السلف فمخالفته زلة لا يقرونه عليها، وإذا كان من غير السلف ومن غير المعتبرين فمذهبه بدعة، لكن بدعة غير مغلظة؛ بدعة تفضيل علي على عثمان من البدع غير المغلظة، وتسمى: تشيعاً، لكن ليس كالتشيع الاصطلاحي عندنا، هؤلاء الذين فضلوا علياً على عثمان وهم على منهج أهل السنة والجماعة في العموم، هؤلاء زلوا ووقعوا في بدعة خفيفة، ويسمون: المفضلة، ويقال: فيهم تشيع، كما قيل عن عبد الرزاق بن همام، وكما قيل عن سفيان الثوري قبل رجوعه إلى مذهب أهل السنة في هذه المسألة، وكما قيل عن الحاكم النيسابوري وعن كثير من الأئمة، يقال: فيهم تشيع، ولكن لا يقصد به تشيع الرافضة الآن، هذا ليس بالتشيع، هذا رفض.
أما من قدم علياً على أبي بكر وعمر وعثمان جميعاً فهذا يسمى من المفترية، حتى لو كان في أموره الأخرى على السنة، ويندر، بل لم ينسب إلى أهل السنة من قال بهذا القول، بل هذا القول قال به الشيعة، ولذلك كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يأمر بجلد من يفضلونه على أبي بكر وعمر، ويسميهم: المفترية، وكتب إلى ولاته: بأن من فضله على أبي بكر وعمر فليجلد جلد المفتري ثمانين جلدة، ولذلك سماهم السلف: المفترية.
قال رحمه الله تعا