للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الخلاف في موت الروح]

قال رحمه الله تعالى: [واختلف الناس: هل تموت الروح أم لا؟ فقالت طائفة: تموت؛ لأنها نفس، وكل نفس ذائقة الموت، وقد قال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:٢٦ - ٢٧]، وقال تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:٨٨].

قالوا: وإذا كانت الملائكة تموت؛ فالنفوس البشرية أولى بالموت.

وقال آخرون: لا تموت الأرواح؛ فإنها خلقت للبقاء، وإنما تموت الأبدان.

قالوا: وقد دل على ذلك الأحاديث الدالة على نعيم الأرواح وعذابها بعد المفارقة إلى أن يرجعها الله في أجسادها.

والصواب أن يقال: موت النفوس هو مفارقتها لأجسادها وخروجها منها، فإن أريد بموتها هذا القدر فهي ذائقة الموت، وإن أريد أنها تعدم وتفنى بالكلية؛ فهي لا تموت بهذا الاعتبار، بل هي باقية بعد خلقها في نعيم أو في عذاب، كما سيأتي إن شاء الله تعالى].

وعموم النصوص يدل على أن المقصود بتوفي الأرواح أو توفي الأنفس هو خروجها من الأجساد، والنفس تطلق ويراد بها الجسد، ولا شك أن الأجساد تموت وتضمحل، يعني: تفنى، وأما الأرواح فإن التوفي والموت لا يعني أنها تنعدم، إنما تخرج من الجسد، وإذا خرجت من الجسد فقد ورد في النصوص أن أرواح المؤمنين -أسأل الله أن يجعلنا جميعاً منهم- ترتفع وتصعد إلى السماء، وأما أرواح الكفار -نسأل الله العافية- فتبقى في أسفل سافلين، وتوصد أمامها أبواب السماء.

فإذا قصد بموت الروح التحول عن الجسد، بحيث تنفصل الروح عن الجسد؛ فهذا صحيح، وإن قصد بالفناء والموت ما يقصده كثير من الذين يتفلسفون ولا دليل عندهم على أنها تنعدم، فالصواب خلافه، وهو أن النفس أو الروح لا تنعدم، والله أعلم.

قال رحمه الله تعالى: [وقد أخبر سبحانه أن أهل الجنة: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الأُولَى} [الدخان:٥٦]، وتلك الموتة هي مفارقة الأرواح للأجساد.

وأما قول أهل النار: {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} [غافر:١١]، وقوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [البقرة:٢٨]؛ فالمراد أنهم كانوا أمواتا وهم نطف في أصلاب آبائهم وفي أرحام أمهاتهم، ثم أحياهم بعد ذلك، ثم أماتهم، ثم يحييهم يوم النشور، وليس في ذلك إماتة أرواحهم قبل يوم القيامة، وإلا كانت ثلاث موتات، وصعق الأرواح عند النفخ في الصور لا يلزم منه موتها، فإن الناس يصعقون يوم القيامة إذا جاء الله لفصل القضاء وأشرقت الأرض بنوره، وليس ذلك بموت، وسيأتي ذكر ذلك إن شاء الله تعالى.

وكذلك صعق موسى عليه السلام لم يكن موتا، والذي يدل عليه أن نفخة الصعق -والله أعلم- موت كل من لم يذق الموت قبلها من الخلائق، وأما من ذاق الموت أو لم يكتب عليه الموت من الحور والولدان وغيرهم، فلا تدل الآية على أنه يموت موتة ثانية، والله أعلم].