للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر ما أثر في لفظ الحد عن سفيان وشعبة والحمادين وشريك وأبي عوانة]

قال رحمه الله تعالى: [قال أبو داود الطيالسي: كان سفيان وشعبة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وشريك وأبو عوانة لا يحدون ولا يشبهون ولا يمثلون، يروون الحديث ولا يقولون: كيف؟ وإذا سئلوا قالوا بالأثر].

قصده أنهم لا يشبهون يعني: لا يتكلمون في التشبيه، لا يقولون: يشبه كذا، ولا مثل كذا، ولا فعله يشبه كذا، ولا صفته مثل كذا إلى آخر ذلك مما تورع عنه السلف، ورأوا أنه من الباطل الذي لا يجوز أن يجري على ألسنتهم.

[ويروون الحديث]، أي: يروون الحديث الثابت في الصفات، ونحن نعلم بالبداهة أنهم يروون الحديث إجمالاً، لكن هنا نص على أمر مهم، وهو أنهم يروون الحديث في الصفات حتى وإن إشكل على بعض السامعين، لذلك ذكروا أنه من الفوارق البينة بين السلف وخصومهم أن السلف يروون الأحاديث في الصفات، ولا يجدون في ذلك غضاضة، بل إنهم يجدون في هذا متعة؛ لأنها عن الله عز وجل، وفي تعظيمه وإجلاله، على عكس أهل الأهواء، فإنهم يترددون في رواية أحاديث الصفات، ويكرهون روايتها، حتى إن بعضهم كان إذا وقف وقفاً على مدرسة أو كذا اشترط ألا تقرأ فيها أحاديث الصفات، فإذا وقف مكتبة أو أهدى مكتبة اشترط ألا يكون فيها أحاديث الصفات، وبعضهم كان يسمع البخاري، فإذا جاء إلى آخر أبواب البخاري وبدأت أحاديث الصفات ترك الدرس وتخلى عنه؛ لأنَّه يكره أحاديث الصفات.

فهذا معنى قوله: [ويروون الحديث] فالسلف يروون الحديث وليس عندهم في ذلك شيء، فمادام قد ثبت الحديث في صفات الله عز وجل فإنهم يروونه حتى ولو كرهه بعض السامعين أو بعض أهل الأهواء الذين لا يثبتون الصفات، فلذلك قالوا: من أشد الأمور على أسماع أهل الأهواء أحاديث الصفات، وهذا حق، وإلى اليوم تجدهم إذا رويت أحاديث الصفات لا تسلم من تعليقاتهم ومن لمزهم، وإذا نظرت لتحقيقاتهم أو إلى أعمالهم -كما هو حاصل من كثير من المتكلمين الآن إذا تعرضوا لكتب السلف- تجدهم يعلقون على أحاديث الصفات بتعليقات تدل على أنهم يكرهونها، وهي أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.