للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم التفرغ للرقية واتخاذها مهنة]

السؤال

ما حكم التفرغ للرقية واتخاذها مهنة من قبل بعض المنتسبين للعلم أو غيرهم، وهل هذا مأثور عن أئمة السلف؟

الجواب

الأصل في الرقية أنها مشروعة، وهي نوع من الدعاء الذي أمرنا به، وهو جزء من العبادة.

وأيضاً الأصل في الرقية أن تكون من كتاب الله عز وجل، أو مما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من الألفاظ الثابتة، أو ما يشبه ذلك من الأدعية الصحيحة السليمة، التي ليس فيها شرك، وليس فيها بدع، وليس فيها ظلم أو عدوان، وليس فيها ألغاز أو استعانة بغير الله عز وجل، كالاستعانة بالجن ونحو ذلك.

أما مسألة التفرغ للرقية من قبل طالب العلم، بحيث يجعل مهنته رقية للناس، سواء كان ذلك بأجر أو بغير أجر، فلم يرد عن السلف أن أحداً منهم تفرغ من أجل الرقية، بل كانوا يرقون أنفسهم ويرقون غيرهم، ويقرون من يرقي غيره، لكن لا على سبيل جعل الرقية مهنة يتفرغ لها الإنسان، وما يفعله كثير من طلاب العلم هذا فيه نوع من تجاوز الأصل الشرعي، ويستتبع ذلك وضع مكان ثابت يجتمع فيها حشد كبير من الرجال، أو حشد من النساء، ويقرأ عليهم قراءة جماعية بشكل يومي منتظم، وحدد لذلك أجوراً معينة، وتباع من خلال هذا الأمر أنواع من الأدوية والمياه بأكثر من قيمتها الحقيقية إلى غير ذلك من الوسائل التي في التوسع فيها نظر، ولذلك أقول: إن هذه الظاهرة إذا زادت ربما تتأصل وتكون من البدع التي يصعب علاجها فيما بعد.

أما كون الإنسان يحتسب الرقية ويرقى الناس ويفيدهم فهذا لا حرج فيه، لكن أن يجعل ذلك مهنة فهذا فيه نوع من التجاوز ولا بد من التنبيه على ذلك.

قد يرد إشكال وهو أن الناس بحاجة إلى الرقية الشرعية، والدليل على هذا أنه ما من راق يشتهر إلا ويتكدس عليه الناس بالعشرات والمئات والآلاف، نقول: هذا حق، لكن كلما زاد الناس من التعلق بهذا الأمر وضع الله عز وجل عليهم من الأصار والأغلال ما يجعلهم أيضاً يزيدون أكثر؛ لأنهم يلجئون إلى غير الله عز وجل فيكلهم الله إلى عباده، والذي ينبغي أن يعوّد الناس كيف يحمون أنفسهم بالأوراد الشرعية، وبالتزام الطاعة وأعمال البر، والمواظبة على الذكر والاستغفار وغير ذلك من المحصنات الشرعية التي بإذن الله تقي الناس من كثير من الأمراض والأوهام، التي تسبب لهم اللجوء إلى الرقاة، هذا شيء.

الشيء الآخر: أن الناس لو عودوا أن يرقوا أنفسهم أو يرقيهم أمثالهم والأقربون منهم من الجيران وجماعة المسجد ونحوه؛ لكان هذا أولى، ولما ظهرت هذه الظواهر التي أصبحت الآن من الظواهر التي دخلت من خلالها بعض البدع، والله أعلم.