[مواقف الناس تجاه الحد والغاية ونحوهما من الألفاظ المحدثة]
الأمر الآخر: أن الناس لهم تجاه هذه الألفاظ المحدثة ثلاثة مواقف: الموقف الأول: موقف أهل الحق أهل السنة والجماعة، وهو التفصيل الذي ذكرته، بأن أي لفظ يرد يقصد به وصف الله أو تسميته فإنا لا نتعجل فيه، فإن اقتضى كمالاً أخذنا بمعنى الكمال لكننا نستغني عن اللفظ؛ لأنَّه لابد أن نجد هذا الكمال فيما تكلم الله به عن نفسه، بل لله عز وجل من الأسماء والصفات ما هو جامع لكل الكمال، مثل: اسم الجلالة (الله)، ومثل (الحي القيوم)، ومثل (العلي العظيم)، (الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد) إلى آخر ذلك من عبارات الكمال التي يدخل فيها كل كمال.
أما المعاني الباطلة فترد، والألفاظ لا نلتزم بها، بل نردها.
إذاً: هذا الفريق الذي يفصل هم أهل السنة والجماعة.
الفريق الثاني أو الطائفة الثانية: هم الذين يثبتون هذه المعاني ويقصدون التشبيه أو التجسيم أو التمثيل، وهؤلاء هم المجسمة، وسيأتي الكلام عنهم في ثنايا الدرس قريباً.
والمجسمة: هم الذين يطلقون هذه العبارات أو معانيها ويحدونها في حق الله عز وجل، وقد لا يقولون بالحدود، لكنهم يقولون بما يفهم الحدود، بأن يتصوروا لربهم تصورات تدل على الحدود، ويجعلون هذه التصورات عقائد، وكذلك الغايات والأركان والأعضاء والأدوات، فالمجسمة أشكال وأنواع، والممثلة كلهم يقولون بنوع من أنواع التحديد، والغايات والأركان، والأعضاء، والأدوات، وهؤلاء أيضاً جانبوا الحق ووقعوا في الكفر.
وطائفة تنفي هذه الألفاظ وتنفي معها حقائق صفات الله عز وجل وأفعاله، بمعنى أنهم يجعلون هذه القواعد عندهم هي المحتكم ثم يردون إليها معاني ألفاظ كلام الله عز وجل على نهج غير سليم، فيردون هذه الألفاظ كما يردها السلف لكنهم يردون معها معاني أسماء الله وصفاته وأفعاله، فمثلاً: يقولون بأنه لا يجوز في حق الله الحد، والعلو الذاتي حد، إذاً: فالعلو منفي عن الله، ويقولون: العلو يكون علواً معنوياً، وأحياناً يقولون: الاستواء حد، والحد ممنوع، إذاً: الاستواء له معنى آخر، فيؤولون معنى الاستواء أو ينكرونه، وقد يقولون مثلاً: اليد عضو، والله منزه عن العضو، إذاً: لليد معنى آخر غير حقيقتها التي تكلم الله بها إلى آخره، فيردون هذه الألفاظ ويردون معها حقائق أسماء الله وصفاته وأفعاله.
وهذا الصنف هم المعطلة والمؤولة، وهؤلاء اللبس عندهم أكثر من اللبس عند المشبهة؛ لأن المشبهة أمرهم واضح، فالتشبيه ينفر منه الطبع، حتى العوام الذين لا يدركون تفصيل العقيدة، فإنهم في الغالب ينفرون من التشبيه، أما التأويل والتعطيل فإنه في الغالب يكون بأمور مشتبهات، ويكون بتلبيس، فيقع فيه كثير من الناس إذا لم يتشربوا العقيدة السليمة.
فالمهم أن أصناف الناس تجاه هذه الأمور ثلاثة: الأول: الذين يفصلون ويردون المعاني إلى أسماء الله وصفاته وأفعاله الواردة في الكتاب والسنة، وهم أهل السنة والجماعة.
الثاني: الذين يقبلون هذه الألفاظ ولا يتأدبون في إطلاقها على الله عز وجل، وهم الممثلة، وهؤلاء خرجوا عن الحق وكفروا.
الثالث: الذين يردون هذه الألفاظ ويردون معها حقائق صفات الله وأفعاله وأسمائه، وهؤلاء هم الجهمية المعطلة، والمعتزلة المؤولة، وأهل الكلام المؤولة.
ثم قال: [فالواجب أن ينظر في هذا الباب، أعني باب الصفات، فما أثبته الله ورسوله أثبتناه] بمعنى أن هذه المعاني التي وردت بها هذه الألفاظ ما أثبته الله ورسوله منها أثبتناه، فمعانيها الحقة نردها إلى كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وما نفاه الله ورسوله نفيناه.
يقول: [والألفاظ التي ورد بها النص يعتصم بها في الإثبات والنفي]، بمعنى: يرد إليها كل شيء، فالألفاظ التي ورد بها النص أولاً تقر وتثبت ويؤمن بها، ثم تكون هي القاعدة والمحتكم والميزان، فما ورد على ألسنة البشر يرد إليها، فما كان فيها من معنى صحيح أخذ، لكن يلتزم اللفظ الشرعي ويرد اللفظ البدعي، فاللفظ البدعي قد يحتمل حقاً وباطلاً، فالحق الذي فيه نأخذه ونرده إلى ألفاظ الشرع، ونستغني عن اللفظ المبتدع، والباطل نرده مطلقاً، فنثبت ما أثبته الله ورسوله من الألفاظ والمعاني، وننفي ما نفته نصوصهما من الألفاظ والمعاني.