للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اللياذ بما قاله طبيب القلوب صلى الله عليه وسلم طريق إلى عافيتها]

قال رحمه الله تعالى: [وتجد أحد هؤلاء عند الموت يرجع إلى مذهب العجائز، فيقر بما أقروا به، ويعرض عن تلك الدقائق المخالفة لذلك التي كان يقطع بها، ثم تبين له فسادها أو لم يتبين له صحتها، فيكونون في نهاياتهم إذا سلموا من العذاب بمنزلة أتباع أهل العلم من الصبيان والنساء والأعراب.

والدواء النافع لمثل هذا المرض ما كان طبيبُ القلوب صلوات الله عليه وسلامه يقوله إذا قام من الليل يفتتح صلاته: (اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك؛ إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)، خرجه مسلم.

توسل صلى الله عليه وسلم إلى ربه بربوبية جبريل وميكائيل وإسرافيل أن يهديه لما اختلف فيه من الحق بإذنه، إذ حياة القلب بالهداية، وقد وكل الله سبحانه هؤلاء الثلاثة بالحياة، فجبريل موكل بالوحي الذي هو سبب حياة القلوب، وميكائيل بالقطر الذي هو سبب حياة الأبدان وسائر الحيوان، وإسرافيل بالنفخ في الصور الذي هو سبب حياة العالم، وعود الأرواح إلى أجسادها، فالتوسل إلى الله سبحانه بربوبية هذه الأرواح العظيمة الموكلة بالحياة له تأثير عظيم في حصول المطلوب، والله المستعان].

ينبغي أن يحرص المسلم دائماً على التمسك بمثل هذا الدعاء، فأدعية النبي صلى الله عليه وسلم هي أفضل الأدعية لمناسباتها، ولذلك نجد أن أكثر ألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم في الأدعية تناسب ما جاءت له، كدعاء الاستغاثة، واستنزال المطر، ودعاء الكرب، والأوراد التي كان يقولها النبي صلى الله عليه وسلم صباحاً ومساءً من القرآن وغيره، والأدعية التي يرقي بها بعض الأمراض أو عامة الأمراض، ومثل هذا الدعاء الذي يتعلق بما يختلف فيه الناس أو ما يشكل على المسلم في دينه وأمور العقيدة، فلذلك ينبغي على كل مسلم وكل طالب علم أن يتعلم ويعلم الناس تعلق قلوبهم بمثل هذه الأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم لمناسباتها، فإنها أفضل من الأدعية التي تنشأ على غير فقه، ولا يعني هذا أن الأدعية الأخرى لا تجوز، بل باب الدعاء مفتوح، وكل يدعو بما يتيسر له، ما لم يعتد في الدعاء، وما لم يدع بألفاظ مشتبهة أو بدعية.

لكن أقول: إن الأدعية المأثورة بمناسباتها لا شك في أنها أعظم وأبلغ، بل إن التمسك بها سنة، ولذا فإن مثل هذا الدعاء من أعظم الأدعية التي تناسب الأحوال التي يكثر فيها اختلاف الناس واختلاف المسلمين في الفتن والخلافات التي تعصف بالناس أحياناً أو يضطرب فيها المسلمون، أو يشكل الأمر والخلاف فيها على الكثير منهم أو على شبابهم، فلذلك في مثل هذا الوقت الذي طرأت فيه بعض الخلافات حول كثير من مسائل الدين ينبغي التمسك بمثل هذا الدعاء والإكثار منه؛ لأنه -بإذن الله- وسيلة إلى الوصول إلى الحق وإلى الطريق المستقيم كما ورد في هذا الحديث.